" الوضع ليس مواتياً الآن، لذا ليس هناك خيار آخر، اذهب مع أوليفيا، يمكنك توصيل أوليفيا إلى منزل أناييس في المنتصف "
أناييس هي الأخت الكبرى الثانية لآرتشي، و تعيش في مدينة مركزية تقع في منتصف الطريق من الشمال إلى العاصمة .
"وعلى المستوى الخارجي، أنت المساعد السابق للأميرة المتوفاة، لذا لا يمكنك أن تعيش هكذا في سلام، عليك أن تبدو مهموماً بعض الشيء، آه ؟ تصرف وكأن حياتك قد تدمرت."
إذا ظهر آرتشي، المعجب المتعصب الذي كان يتبع سيرفيليا دائمًا، في هيئته الجيدة الحالية، فسوف يشك الناس بالتأكيد .
" واو، أنا جيد جدًا في فعل ذلك."
"نعم، اجعل شعرك يبدو أشعثًا بعض الشيء، و ارتدي ملابس رثة بعض الشيء."
اقتربت سيرفيليا من آرتشي و عبثت بشعره الأحمر . كما أنها جعدت قميصه الحريري الخالي من التجاعيد .
" آآآه ! يا صاحبة السمو، هذا القميص هو المفضل لدي ! "
" ابقى هادئًا ! "
بعد أن أخضعت آرتشي الذي كان يتلوى بركبتها، واصلت ما كانت تفعله . استسلم آرتشي لكل شيء و ترك جسده بين يديها بوجه باكي .
"شيء من هذا القبيل، هل تفهم ما أعنيه؟"
بدا أنه سيكون أكثر بؤسًا إذا تم فك أزرار القميص حوالي ثلاثة أزرار . أمسكت بياقة آرتشي و ركزت على أزرار القميص الصغيرة .
" ماذا تفعلين الآن …. ؟ "
عندما سمعت صوتًا مألوفًا، رفعت رأسها و رأت لوسيان يقف عند المدخل بتعبير مصدوم .
" أوه، مرحبًا يا دوق "
سلمت سيرفيليا بتحية سريعة ثم أكملت فك أزرار قميص آرتشي .
" مهلاً لحظة يا أميرة "
أمسك لوسيان بيد سيرفيليا فجأة و فصلهما عن بعضهما .
" لماذا تخلعين ملابس السير آرتشي ؟ ماذا تحاولين أن تفعلي …. ! "
" مجرد وداع، و إعطاء بعض النصائح المتنوعة "
" النصيحة يجب أن تكون بالكلمات فقط، بالكلمات فقط."
"سأفكر في الأمر، على أي حال، ما الأمر؟"
عندما ألقى لوسيان نظرة خاطفة على آرتشي، استغل آرتشي الفرصة و نهض من مقعده و خرج من الغرفة .
جلست سيرفيليا على سرير آرتشي، و سحب لوسيان كرسيًا و جلس مقابلها .
" يا أميرة، الاستعدادات للرحلة تقترب من نهايتها، قبل ذلك، أتيت لأؤكد مرة أخرى على قرارك "
"سأذهب."
كررت سيرفيليا نفس الكلمات عدة مرات لدرجة أن شفتيها كادت أن تتقرح .
" لماذا أنت قلق جدًا ؟ لدينا الفرسان المقدسين، وجيش الشمال، وأنت أيضًا، والقديسة ستذهب معنا، ليس لدينا مانخشاه."
بالطبع، كانت سيرفيليا تعتقد أنها ستكون كافية بمفردها . على الرغم من تأكيدها، لم يزل لوسيان عبوسه .
" في الواقع، أجد القديسة أيضًا مريبة بعض الشيء، ظهورها المفاجئ و كلامها الفارغ عن الوحي وما إلى ذلك غريب، وأيضًا …. "
اتجهت نظرته نحو يد سيرفيليا اليمنى . كانت اليد محاطة بالقوة المقدسة التي منحتها تشاسترتي، و تشِع ضوءًا أبيضًا خافتًا .
بعد العلاج بالقوة المقدسة، تحسنت حالة اليد بشكل ملحوظ . لم تعد تؤلمها، و أصبح إسقاط الأشياء نادرًا جدًا .
بالطبع، مع مرور الوقت، ستعود إلى وضعها السابق .
" أشعر بعدم الارتياح بسبب تقربها منكِ "
" يا دوق، هل أنت غيور ؟ لا مفر من ذلك، أي امرأة ذات عينين ستعجب بي بشكل طبيعي."
قالت سيرفيليا بفخر وهي تلوح بشعرها القصير بيدها .
"هذا صحيح، ولكن حتى مع ذلك، أليس من غير المنطقي أن تسمح القديسة لفارس مبتدئ بالتحدث معها بشكل غير رسمي؟"
كان هذا صحيحًا . في الواقع، كاليب، قائد الفرسان المقدسين، الذي رأى سيرفيليا تتحدث بشكل غير رسمي، كاد أن يُصاب بالإغماء، لكن بالنسبة لسيرفيليا، لم يكن هناك شيء مريب في موقف تشاسترتي .
كانت شخصًا لطيفًا، بخلاف أنها كانت مجنونة قليلاً .
" ولكن …. أنت تحب القديسة، أليس كذلك ؟ "
"ماذا تقصدين؟"
" الشخص الذي تحبه من طرف واحد، إنها القديسة، أليس كذلك ؟ "
ساد صمت للحظة بين الشخصين . بدا لوسيان مرتبكًا .
" ماذا …؟ لا تقولي أشياء سخيفة، هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها وجه القديسة بشكل صحيح "
تفاجأت سيرفيليا بالرد غير المتوقع لدرجة أنها كادت أن تضع علامات استفهام متعددة فوق رأسها .
اعتقدت أن تشاسترتي كانت المرشحة الأكثر احتمالاً لحب لوسيان من طرف واحد، لكن اتضح أن هذا ليس صحيحًا ! أصبح تفكيرها أكثر ارتباكًا .
" حقًا ؟ إذن من تحب ؟ "
صمت لوسيان مرة أخرى . نقرت سيرفيليا على ذقنها بإصبعها و بدأت في تعداد أسماء السيدات النبيلات اللاتي تعرفهن .
" حسنًا، لقد قلت أنها ليست آريا روزتيل، همم، جيلين ؟ ديفيكي ؟ هوتسون ؟ من آخر يوجد …. هل يعقل أن تكون أنا ؟ لا، ليس أنا، مستحيل أن يكون أنا "
" لماذا تعتقدين أنه من المستحيل أن تكوني أنتِ ؟ "
" بالطبع، لا يمكن لشخص أن يعامل من يحب بهذه الطريقة ! "
كانت سيرفيليا تشير إلى السنوات العشر الماضية التي أهملها فيها لوسيان. كان عليها أن تتحدى الموت لكي تفسخ خطوبتها منه، لذا إذا كان لدى لوسيان أي ضمير، فلن يتمكن من القول بأنه يحبها .
نظرت سيرفيليا إليه بنظرة شرسة ثم نهضت فجأة من مقعدها .
" إذا لم تجب، فسأذهب الآن، أنا مشغولة بالاستعداد للرحلة "
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
أخيراً، حل يوم الانطلاق في الرحلة .
كانت سيرفيليا تتفحص الخيول في الإسطبل بعناية و تختار واحدًا عندما اقتحم لوسيان المكان .
كان لوسيان يعلو وجهه تعبير غير راضٍ وهو يضع السرج على ظهر حصان .
" اركبي هذا الحصان "
"أليس هذا الحصان الذي كنت تركبه؟"
" يمكنني ركوب حصان آخر، هذا الحصان هو الأقوى و الأكثر رشاقة، لذا يجب أن تركبه الأميرة "
أومأت سيرفيليا برأسها . بمجرد أن رأت الحصان الجميل، أصبحت جشعة له، لذا لم تزعج نفسها برفضه من باب الأدب .
" شكراً لك، ما اسمه ؟ "
ربتت سيرفيليا على الحصان و عيناها تلمعان .
" اسمه هازل، إنه ذكي، لذا سيستمع إليك جيدًا."
قفزت سيرفيليا بخفة على ظهر الحصان . لم يهتز كثيرًا حتى مع تغيير صاحبه و أطاع أوامرها.
وضع لوسيان السرج على ظهر حصان كان بجانبه ثم قفز عليه بخفة .
كان أقل جمالاً من الحصان الذي أعطاه لسيرفيليا، لكنه كان رائعًا أيضًا .
"هل أنتِ مستعدة؟"
قال لوسيان وهو يقود حصانه ببطء .
****************************
الفصل : ٨١
" بالطبع."
" ستكون هناك أيام صعبة كثيرة، لن يكون هناك من يخدمك كما في القصر، و ستنامين على الأرض الباردة، والطعام سيكون بسيطاً."
" مهلاً يا دوق، لماذا تتحدث إليّ هكذا ؟ أنا أيضاً فارسة، ولدي خبرة كافية."
" فرسان البلاط الملكي هم ملعب للنبلاء، الواقع مختلف تماماً."
شعرت سيرفيليا بالإهانة من كلماته التي حطمت كبرياءها كفارسة، لكن لا يمكن كسب الاحترام الحقيقي بمجرد الكلام هنا.
عزمت سيرفيليا على إتمام هذه المهمة بشكل مثالي لتكسر كبرياء لوسيان . تنهد لوسيان بخفة، ثم أخرج شيئاً من صدره ومده إليها.
" أميرة، تفضلي هذا."
"ما هذا؟"
أخذت سيرفيليا القارورة الزجاجية الصغيرة التي قدمها لوسيان. كانت هناك حشرات طائرة بداخلها .
"إنها يراعات تم تغذيتها بالحجارة السحرية، رغم أنها بسيطة، إلا أنها تعتبر رمزاً للحظ في الشمال لأنها تنير الطريق المظلم، كلما ازداد الظلام، كلما أشع نورها بقوة أكبر."
نظرت سيرفيليا بفضول إلى القارورة من جميع الزوايا قبل أن تضعها في صدرها.
"شكراً لك."
عندما خرجوا على ظهور الخيل إلى الفناء الأمامي، كانت تشاسترتي و فرسان المعبد المقدسين قد أنهوا استعداداتهم وكانوا في انتظارهم .
قفزت سيرفيليا من على حصانها و ركضت نحو تشاسترتي التي رحبت بها بحرارة .
" أخيراً حان يوم الرحلة، أنا سعيدة جداً بأن أذهب مع سيل."
تنحنح لوسيان من خلفهما.
"هيا نذهب."
ركبت تشاسترتي العربة بعد أن أعطت الإشارة. و انطلقت القوة الشمالية المكونة من سيرفيليا و لوسيان و تشاسترتي و فرسان المعبد المقدسين و فرسان الشمال خلف الجدار دون تأخير .
عندما نظرت للخلف، رأت آرتشي و أوليفيا يلوحان بأيديهما وهما يمسحان دموعهما. ردت سيرفيليا على تحيتهما ثم أمسكت بلجام حصانها بقوة .
كانت السماء صافية خالية من الغيوم، وبدا أن أوائل الصيف قد حل مع خضرة تظهر في كل مكان . كانت وجوه المجموعة المتجهة إلى أبرد أرض في القارة في أكثر فصول السنة حرارة، متجمدة من التوتر .
كانت سيرفيليا خلف لوسيان مباشرة . في الوسط كانت عربة تشاسترتي، محاطة بالفرسان المقدسين . بسبب ملابسهم السوداء، بدوا كموكب ضخم ينقل تابوتاً .
عندما وصلوا أخيراً إلى السور، انتشر التوتر في جميع أنحاء البعثة .
سُمع صوت بوق طويل من مكان ما. خلف ذلك الصوت المدوي في السماء، ابتلعت سيرفيليا ريقها و نظرت إلى السور .
كانت بضعة غربان جالسة على طرف السور المتسخ بالسواد .
— نعيق، نعيق .
عندما رأت رفرفة أجنحتها المشؤومة، أدارت رأسها بسرعة . ربما لأنها سمعت عن وجود حاجز سحري حول السور، بدا وكأن شيئاً يتموج مثل السراب حول السور الضخم .
وفجأة، أدركت حقيقة مهمة جداً .
أخيراً فهمت ما كانت تلك الرؤى و الصراخ الغريب التي رأتها مرات عديدة .
' لم يكن السور هو ما يصرخ، بل كان صوت تحطم الحاجز السحري للسور '
لقد شعرت سيرفيليا بيقين غريب بأنها سوف تكتشف سبب رؤيتها لمثل تلك الرؤى إذا تمكنت من تجاوز الحاجز .
أخيراً، فُتحت البوابة الأخيرة المؤدية إلى خلف السور . تنهدت سيرفيليا عند رؤية المشهد أمامها .
"هذا فظيع."
كانت الساحة الأمامية أمام الحاجز مغطاة ببقع دماء مقززة من المعركة التي وقعت منذ فترة ليست طويلة . و رغم أن الجثث كانت قد أزيلت بالفعل، إلا أن الهواء كان مليئا برائحة العفن، وكانت أسراب الغربان تنعق بشكل مخيف هنا وهناك .
عبست سيرفيليا وهي تتذكر ذلك اليوم. يبدو أن لوسيان شعر بالشيء نفسه، إذ همس لها بهدوء :
" لا يمكنك تخيل شعوري عندما وجدتك هنا في ذلك اليوم، يا أميرة."
ابتسمت سيرفيليا بخفة بدلاً من الإجابة .
رغم أنه أوائل الصيف، كان ما وراء السور بارداً جدًا . وكانت قمم الجبال البعيدة مغطاة بالثلوج الدائمة . وهي تحدق في أرض الموت الشاسعة المنبسطة أمام عينيها، أحكمت سيرفيليا عباءتها السميكة قبل أن تحث حصانها.
لحسن الحظ أو لسوء الحظ، فإن الهيجان كان قد انتهى منذ فترة قصيرة، لذلك لم تظهر الوحوش لفترة طويلة .
استراحت المجموعة على ضفة النهر . نزلت تشاسترتي من العربة بمرافقة كاليب.
"سيل!"
ركضت نحو سيرفيليا بسعادة فور رؤيتها، ثم سألتها بود وهي تنظر في عينيها :
"كيف تجد الرحلة ؟ هل ركوب الخيل غير مريح ؟ هل يؤلمك إمساك اللجام ؟ سيكون من الأفضل لو ركبت معي في العربة."
" إذا فعلت ذلك، سيقتلني السير كاليب."
ضحكت تشاسترتي بصوت عالي عندما قامت سيرفيليا بإيماءة قطع الرقبة بيدها .
" علينا أن نخيم هنا الليلة."
يبدو أن لوسيان و كاليب، بعد عودتهما من تفقد المنطقة، قررا أن المكان آمن . أمرا الفرسان بنصب الخيام و إعداد الطعام.
انشغل الجميع بالعمل دون تمييز بين فرسان المعبد و الجيش الشمالي .
"سيل، تعال إلى هنا."
أمسكت تشاسترتي بيد سيرفيليا بإحكام و أخذتها إلى صخرة على ضفة النهر . خلعت حذاءها و غمرت قدميها في الماء و نظرت إلى الأعلى . جلست سيرفيليا بصمت بجانبها .
منذ أن علمت أن تشاسترتي ليست من يحبها لوسيان من طرف واحد، أصبحت سيرفيليا أكثر راحة في التعامل معها . وبعد التخلص من الأحكام المسبقة، بدا أن لوسيان لديه استياء من تشاسترتي أكثر من اهتمامه العاطفي بها.
يبدو أنه يعتبرها السبب الرئيسي وراء هذه البعثة .
بينما كانت سيرفيليا و تشاسترتي تجلسان بهدوء على ضفة النهر، سُمع صوت مستاء من خلفهما .
" نحن لسنا في نزهة."
كان صاحب الصوت هو فيليوس، فارس من الجيش الشمالي .
"لدينا الكثير من العمل للقيام به الآن، وأنت تتكاسل هنا، سيل."
اقترب فيليوس و وضع يده على كتف سيرفيليا. دافعت تشاسترتي عنها بسرعة : " كان سيل يرافقني، أنا من طلبت منه ذلك، فلا تلمه."
" لدينا الكثير من العمل، سأصطحبه معي، سموك."
عند هذه النقطة، لم يكن أمام سيرفيليا خيار. فلا يمكن لفارس من الرتبة الأدنى في الشمال أن يعصي أوامر فارس أعلى رتبة .
اصطحب فيليوس سيرفيليا إلى الخيمة التي كان ينصبها، ثم بدأ بدق الأوتاد في الأرض بصمت .
"ما العمل الذي تريدني أن أقوم به؟"
" قف مكانك كما أنت."
استمر في دق الأوتاد و نصب الخيمة، دون أن يعطيها أي عمل . حتى أنه كان يصدر الأوامر لجنود الشمال الآخرين بشكل جيد، لكنه تجاهل سيرفيليا كما لو كانت غير مرئية. لذلك وقفت بحيرة، ثم حاولت المغادرة بهدوء .
"إلى أين تذهب ؟ قلت لك ابقى مكانك."
"ما الذي …. تريدني أن أفعله وأنا واقف هنا؟"
" لا يمكنني تكليف المدلل المفضل لدى سموها بأي عمل، ولا يمكنني تركك تلهو، لذا عليك الوقوف هنا."
قال فيليوس بنبرة ساخرة، ثم ضرب كتفها بخفة و مر بجانبها .
آه، الآن فهمت ما يحدث.
' هل يحاولون نبذي ؟ '
كان فيليوس يتعمد وضعها في وسط مكان مرور الناس و يعاملها كأنها كيس شعير . لم يكن فيليوس وحده، حتى الفرسان الآخرون من الجيش الشمالي كانوا يتصرفون كما لو أنها غير موجودة .
"مهلاً، …… أنت."
حاولت سيرفيليا التحدث إلى فارس آخر في الجيش الشمالي، لكنه ابتعد عنها دون أن يرد .
" …. هل قرروا جميعاً تجاهلي هكذا ؟ "
****************************