سعلت سيرفيليا بشدة وهي تبصق الماء من أنفها و فمها.
" هاه "
زحفت بصعوبة لتخرج من النهر . التصقت ملابسها المبللة كالأعشاب البحرية بجسدها، و ارتجف جسدها كله من البرد .
بدا النسيم البارد الذي لامس بشرتها أسوأ من البقاء في الماء .
مدت ساقيها الثقيلتين و وصلت بصعوبة إلى صخرة ضخمة قريبة، ثم انهارت و جلست . بعد أن بصقت المزيد من الماء الذي ابتلعته، اتكأت على الصخرة و تنفست بعمق .
كان الظلام دامسًا لدرجة أنها لم تستطع رؤية أي شيء . الشيء الوحيد المؤكد هو :
"واو، لقد نجوت."
لفت معطفها حولها لتحجب الرياح العاتية، لكنه لم يكن مفيدًا جدًا لأنه كان مبللاً تمامًا . بل بدأ الماء البارد يتساقط منه، مما أدى إلى فقدانها للحرارة .
" يجب أن أتحرك أولاً."
إذا جلست مكتوفة الأيدي بسبب البرد، فسوف أتجمد حتى الموت .
رفعت سيرفيليا ساقيها عالياً و بدأت تقفز بقوة لرفع درجة حرارة جسدها . وبينما كانت تفعل ذلك، كانت تبحث عن مكان قريب للاحتماء من الرياح الباردة .
لم تستطع الذهاب بعيدًا لأن الليل كان متأخرًا .
لحسن الحظ، كانت هناك شجرة كبيرة قريبة . كان هناك ثقب كبير في جذعها، لذلك إذا تمكنت من الانحناء و الدخول، فستكون قادرة على الاحتماء من الرياح .
بعد أن قررت مكان المبيت، بدأت بسرعة في الاستعداد لقضاء الليل .
أولاً، جمعت بعض الأغصان الجافة و أشعلت نارًا .
" لم تذهب حياتي كفارسة سدى."
شاهدت سيرفيليا ألسنة اللهب تتراقص، فتنهدت بعمق بارتياح .
جمعت الأوراق المتساقطة المتناثرة حولها و صنعت فراشًا ناعمًا، ثم خلعت ملابسها و معطفها المبللين و عصرت الماء منهما.
بعد تعليق ملابسها على غصن شجرة ليجف، دخلت بحذر إلى تجويف الشجرة .
مع اشتعال النار و حماية الشجرة لها من الرياح الباردة، كان الوضع مقبولاً إلى حد ما.
بعد قليل من الراحة، فحصت متعلقاتها على الفور . بالطبع، لم يكن لديها سوى حقيبة طوارئ تحملها دائمًا عند النوم، لذلك انتهى الأمر بسرعة .
" ملابس، حذاء جلدي، معطف شتوي، سيف، خنجر، بعض الطعام الاحتياطي، و جرعة القوة المقدسة التي أعطتها لي تشاسترتي، هذا كل ما لدي."
أخرجت حفنة من اللحم المقدد المبلل من الحقيبة التي كانت معلقة على خصرها و عرضتها للنار لتجف.
خلال فترة العزلة التي لا تعرف مدتها، سيتعين عليها الاعتماد على هذه الأشياء القليلة للبقاء على قيد الحياة .
" لحسن الحظ أن تشاسترتي أعطتني هذا، لولا ذلك، ربما كنت قد تحولت بالفعل إلى وحش."
فتحت سيرفيليا الزجاجة قليلاً و أسقطت قطرة واحدة من السائل الغريب بداخلها على طرف إصبعها، ثم ضغطت بها على جبينها كما فعلت عندما تلقت التطهير .
انتشر شعور بالسلام في جسدها على الفور، و تلاشى التوتر، ثم شعرت بالجوع .
بعد أن جرفتها المياه لساعات، كان من الطبيعي أن تشعر بالجوع، لكنها لم تكن تعرف كم يومًا سيتعين عليها أن تصمد بهذا القدر القليل من اللحم المقدد، لذلك قررت أن تصبر هذه الليلة .
" كان يجب أن أستيقظ مبكرًا و أتناول الإفطار …. "
بينما كانت تعبر عن ندم لا طائل منه، شعرت بالتعب يغزوها، لكنها أبقت عينيها مفتوحتين بشدة خوفًا من ألا تستيقظ مرة أخرى إذا نامت .
ربما يهاجمها وحش أو حيوان بري أثناء نومها، أو ربما تنطفئ النار . لم تكن تريد أن تتسبب في حادث مميت في يومها الأول من العزلة .
" امرأة لديها كرامة، يجب أن تصمد لمدة أسبوع على الأقل، أليس كذلك ؟ "
أخفت أصابع قدميها التي تحولت إلى اللون الأرجواني في كومة من الأوراق الجافة .
"ماذا أفعل الآن؟"
هذه هي المرة الثانية التي تُترك فيها وحيدة في الشمال .
في المرة الأولى، حالفها الحظ و حصلت على مساعدة لوسيان على الفور، لكن هذه المرة لن يكون الأمر سهلاً .
ألن يكون لقاؤها به مرة أخرى في هذا الشمال الشاسع معجزة ؟
لا، بل ربما لن يعتقدوا أنها على قيد الحياة في المقام الأول . ربما افترضوا أنها ماتت و واصلوا رحلتهم .
أمسكت سيرفيليا بغصن رفيع و رسمت به على الأرض . كانت تنوي تذكر خريطة الشمال التي وجدتها لتقدير مكان وجودها .
" لقد انقسم نهر إندرميست إلى ثلاثة فروع رئيسية، ومن هناك، انقسم إلى عشرات الفروع الأخرى …… "
كانت خريطة رأتها مرات لا تحصى، لذا تمكنت من رسمها بدقة . بعد أن انتهت من رسم الخريطة، توصلت إلى استنتاج واحد .
" يبدو أن الإنقاذ مستبعد "
لم تكن تعرف حتى أيًا من عشرات الأنهار قد جرفها . وبالتالي، كان من المستحيل أن يعرفوا فرسان الرحلة ذلك و يجدوها، لذلك، كان احتمال إنقاذها ضئيلاً إذا بقيت جالسة هنا تنتظر .
" لا مفر من ذلك."
في النهاية، كان عليها أن تجد طريقها للبقاء على قيد الحياة بنفسها .
نظرت سيرفيليا مرة أخرى إلى الخريطة التي رسمتها على الأرض … لم يتبقى لها سوى خيارين .
الخيار الأول : العودة إلى الجدار جنوبًا .
لكن المسافة كانت بعيدة جدًا لدرجة أنها ستتحول إلى وحش قبل أن تصل .
هزت سيرفيليا الزجاجة لتقدير الكمية المتبقية . كانت كمية كافية بالكاد لأسبوع .
" الخيار الأول غير ممكن."
إذن الخيار الثاني : البحث عن برج الشمال وفقًا للخريطة.
يقع برج الشمال السحري في وسط الخريطة تمامًا . لذلك، إذا اتبعت مجرى نهر إندرميست الرئيسي صعودًا، فسيكون من السهل نسبيًا العثور عليه .
" من المحتمل أن يواصلوا طريقهم نحو برج الشمال، إذا اتبعتهم، فسوف ألتقي بهم يومًا ما، إذن … سأعيش، على ما أعتقد."
بعد أن توصلت سيرفيليا إلى هذا الاستنتاج البسيط، دفنت وجهها في ركبتيها . بعد أن انتهت من القلق بشأن نفسها، تذكرت الآخرين .
" أتمنى أن يكون الجميع بخير."
فرسان الشمال خبراء في التعامل مع الوحوش لدرجة أن سيرفيليا لا تحتاج للقلق بشأنهم، لكن الأمر مختلف هذه المرة .
لا أحد قد واجه مثل هذا الوحش الأسطوري من قبل .
وأخيرًا … تذكرت آخر مشهد للوسيان وهو يركض نحو التنين المجنح بسيف واحد فقط وبلا درع .
"ماذا لو أصابه التنين و أصيب ؟ كانت النيران مرعبة، ماذا لو أصيب بحروق؟"
كان لوسيان دائمًا قلقًا للغاية و يشعر بالألم حتى لو أصيبت سيرفيليا بجروح طفيفة أو بدت في خطر . و الآن بعد أن حدث هذا، لا بد أنه شعر بصدمة كبيرة .
مجرد تذكر تعبير لوسيان البائس جعل قلبها يؤلمها، ثم تذكرت مشهد لوسيان وهو يعانقها و يبكي.
ضمت سيرفيليا ركبتيها بشدة .
' أتمنى ألا يكون يبكي لأنه يعتقد أنني مت '
لم تكن تريد أن يبكي لوسيان بسببها مرة أخرى. بدت قطرة الدمع التي سقطت على خده وكأنها نهر يفيض .
في غياب النظرة الدافئة التي كانت تحدق بها دائمًا، شعرت هذه الليلة ببرودة أكبر .
أغمضت سيرفيليا عينيها بإحكام و تخيلت وجه لوسيان وهو ينظر إليها . عيناه الزرقاوان الصافيتان اللتان تحتضنان كل شيء، و ابتسامته الرقيقة، و ذراعاه الواسعتان اللتان تعانقانها بإحكام .
بدا قلبها وكأنه يهدأ بمجرد التفكير في ذلك .
لم تعرف متى أصبح لوسيان وجودًا كبيرًا بالنسبة لها.
أرادت أن تغرق بهدوء في هذا الشعور، لكن عندما فتحت عينيها، لامسها شعور الوحدة الحاد مرة أخرى .
ضمت سيرفيليا جسدها بإحكام و بدأت تكسر الأغصان بعصبية .
" أتمنى ألا يحدث شيء."
كان هناك تغير غريب يحدث في النظام البيئي للوحوش في الشمال . وكانت سيرفيليا في قلب تلك العاصفة، وحيدة .
" … ليس هذا هو الوقت المناسب لي للقلق بشأن الآخرين."
وضعت سيرفيليا ورقة شجر كبيرة كباب أمام تجويف الشجرة لحجب الرياح، و ضمت جسدها أكثر .
"الهدف الأول هو … البقاء على قيد الحياة الليلة."
قضت سيرفيليا الليل تصفع خديها كلما شعرت بالنعاس . تفقدت النار بين الحين والآخر، و قلبت ملابسها المبللة لتجف جيدًا .
عندما بزغ فجر اليوم التالي أخيرًا، كانت سيرفيليا تهز رأسها و تتمايل من النعاس .
استعادت وعيها فقط بعد أن اصطدم رأسها بعمود الشجرة . كانت تتألم لدرجة أن الدموع كادت تنهمر من عينيها .
" آآآآه ! "
صرخت بأعلى صوتها، لكن كل ما عاد إليها هو صوت رفرفة أجنحة طائر يهرب .
لم تكن هناك أوليفيا لتهدئها بلطف، ولا آرتشي ليبكي بجانبها، ولا تشاسترتي لتعالجها على الفور، ولا لوسيان ليقلق عليها أكثر من أي شخص آخر .
عندما وجدت سيرفيليا نفسها وحيدة تمامًا، أدركت أخيرًا حقيقة هذا الواقع .
نهضت سيرفيليا من مكانها و خرجت من الشجرة .
كانت النار تكاد تنطفئ . نفخت عليها لتشتعل مرة أخرى، ثم أخرجت ملابسها الجافة و ارتدتها .
قامت ببعض التمارين الصباحية لتخفيف آلام جسدها المتصلب من الجلوس منكمشة طوال الليل .
" واحد ! اثنان ! واحد ! اثنان ! "
أصدرت أصواتًا حماسية و حاولت عمدًا أن تستجمع قواها . لم تكن تريد أن تستسلم للكآبة بلا داع .
قبل أن تغادر مكانها، أخرجت خنجرها و نقشت حرف S على الشجرة . إذا جاء شخص ما للبحث عنها، فسوف يعرف من هذه العلامة أنها لا تزال على قيد الحياة .
" ربما يأتي شخص ما."
بالطبع، كان ذلك أملاً بعيد المنال، لكنها قررت أن تترك علامة في كل مرة تتحرك فيها .
كانت تعلق أملاً ضئيلاً على تلك العلامات .
" لنفكر في جدول أعمال اليوم أولاً "
نظرت إلى موقع الشمس و قررت الاتجاه الذي ستسلكه .
أولاً، ستعبر هذا الجبل و تتجه شمالاً. كان ذلك هدفها الأول .
" حسنًا، هيا بنا ! "
****************************
الفصل : ١٠٣
الأهم في رحلة بلا نهاية هو تأمين الطعام .
حتى لو أكلت لحمها المقدد الاحتياطي باقتصاد، فلن يكفيها لأكثر من ثلاثة أيام.
نظرًا لأنها لا تعرف كم ستطول هذه الرحلة، كان عليها أن تجد طريقة أخرى .
" يمكنني جمع الثمار، و الصيد، و صيد السمك."
على الرغم من أنها في الشمال، إلا أنه الصيف، و الثمار معلقة بكثافة على الأشجار، وبما أنها بجانب النهر، فربما لن تموت جوعًا .
وإذا استخدمت الجرعة المقدسة التي أعطتها إياها تشاسترتي، فلن تموت بسبب تناول طعام فاسد أيضًا .
فكرت في صنع قوس للصيد، لكنها لم تستطع العثور على المواد المناسبة .
بعد التفكير مليًا، قررت سيرفيليا أن تحفر فخًا أولاً .
بدأت بخدش الأرض الصلبة بخنجرها، ثم حفرت بعمق في التربة الرخوة التي تم تفتيتها . حفرت بجد لدرجة أن أظافرها أصبحت سوداء تمامًا .
"هل هذا يكفي؟"
عندما وضعت قدمها، غرقت حتى ركبتها . بدا هذا كافيًا للإمساك بأرنب جبلي على الأقل .
" لكن ربما ليس مجرد أرنب جبلي، بل أرنب وحش، هل من الآمن أكله ؟ ألن يسبب لي مرضًا ؟ "
لم تشعر بالرضا عند تخيل أرنب وحش ذي قرون، لكنها اعتقدت أنه أفضل من الموت جوعًا .
جمعت سيرفيليا أغصانًا رفيعة و أوراقًا متساقطة من حولها و غطت بها الفخ، ثم اختبأت خلف شجرة قريبة و كتمت أنفاسها .
لكن بعد فترة طويلة، لم يظهر أرنب أو حتى شيء يشبه الوحش . شعرت سيرفيليا بالملل من الانتظار و غفت وهي متكئة على الشجرة .
هزت رأسها ذهابًا و إيابًا، ثم استيقظت بفزع بعد أن اصطدمت بالشجرة .
" آه، الفخ ! "
ركضت بسرعة نحو الفخ . نظرت بخفة ولم تجد أرنبًا جبليًا ولا وحشًا . كانت على وشك أن تشعر بالإحباط لاعتقادها أنها فشلت في الصيد، ولكن فجأة …
ظهر سحلية صغيرة وهي مستلقية نائمة في منتصف الفخ .
"ما هذا؟"
أمسكت سيرفيليا بذيلها بطرف إصبعها و رفعتها . استيقظ المخلوق و بدأ يتلوى محاولاً الإفلات من قبضتها وهو معلق في الهواء .
ضيقت سيرفيليا عينيها وهي تراقبها . بدا لونها مائلاً للحمرة، مما يشير إلى أنها قد تكون سامة .
"لا أعتقد أنني أستطيع أكل هذا."
كانت سيرفيليا على وشك إلقاءه بعيدًا، لكن عندما رأت عيني السحلية الصغيرتين السوداوين تومضان، توقفت يدها دون وعي .
بعد أن تبادلت النظرات معها لفترة طويلة، بدأت تشعر باللين بسبب نظراتها اللامعة التي بدت وكأنها تستجدي الرحمة .
" همم، تبدو لطيفة بعض الشيء … ؟ "
في النهاية، بدلاً من التخلص من السحلية، وضعتها سيرفيليا في جيب صدرها . بشكل غير متوقع، لم تهرب السحلية بل استقرت في الجيب بجرأة .
"حسنًا، أنت الآن طعامي الاحتياطي."
على الرغم من أنها أمسكت بالسحلية، إلا أنها لم تستطع إشباع جوعها بها وحدها . سقطت سيرفيليا على الأرض منهكة .
" آه، أنا جائعة."
تذكرت حساء البطاطس الدافئ الذي كانت أوليفيا تحضره لها عندما كانت تتذمر من الجوع .
عندما كانت تمضغ قطع البطاطس الجافة، لم تكن تعلم كم كانت لذيذة على الرغم من أنها لم تكن شيئًا مميزًا .
في كل مرة، كانت تأكل قضمتين أو ثلاث ثم تشعر بالشبع، لكن في تلك اللحظة، لم يكن هناك شيء اشتاقت إليه أكثر من ذلك الحساء .
" إذا أكلت لقمة واحدة فقط قبل أن أموت، فلن تكون لدي أي أمنيات أخرى."
تخلت عن الصيد اليائس و سارت ببطء . بدلاً من ذلك، أكلت الثمار من الأشجار لإشباع جوعها . كانت الثمار الممتلئة لذيذة ولم تبدُ سامة .
' …. في الوقت الحالي على الأقل '
بدا الأمر كذلك لأنها لم تمت بعد . مضغت سيرفيليا اللب المقرمش و بصقت البذور و سارت بخطى ثابتة .
كانت سيرفيليا تقضي وقتًا بمفردها تمامًا للمرة الأولى في حياتها .
لم تكن هناك خادمة تجلب لها أي شيء تطلبه، ولا مساعد يستمع إلى شكواها دون تذمر . وبالطبع، لم يكن هناك خطيبها السابق الذي كان يظهر في اللحظات الحاسمة و ينقذها بشكل رائع .
" لكن لا بأس، سأصل إلى برج الشمال حيّة مهما حدث."
أطلقت صيحة تشجيعية للمرة التي لا تعرف عددها اليوم و استمرت في التقدم .
سارت سيرفيليا طوال اليوم . مشيت كثيرًا لدرجة أن ساقيها كانتا تتحركان من تلقاء نفسهما في النهاية . و بسبب حذائها الجلدي الصلب، تورمت قدماها و ظهرت بثور .
الشيء الجيد الوحيد هو أنها لم تصادف أي وحش طوال رحلتها .
بعد رحلة شاقة، قررت أن تجد مكانًا مناسبًا للراحة قبل غروب الشمس .
وصلت سيرفيليا إلى مكان مسطح و مرتفع و بدأت في إشعال النار أولاً . بعد أن فعلت ذلك عدة مرات، كان الأمر أسهل قليلاً هذه المرة .
جلست أمام النار لتدفئ جسدها لفترة من الوقت، ثم غطت نفسها بمعطف لوسيان الشتوي كبطانية و ارتجفت .
' لولا هذا، لكنت تجمدت حتى الموت منذ زمن '
كان هذا المعطف الشتوي الذي وضعه لوسيان فوق رأسها عندما كانت تهرب من التنين المجنح .
كانت مادته سميكة وكان حول الرقبة فرو حيوان رقيق، لذلك بعد أن جف تمامًا، أصبح واقيًا ممتازًا من الرياح .
عندما دفنت أنفها في المعطف، بدا وكأنها تشم رائحة لوسيان الخفيفة . أغمضت سيرفيليا عينيها بهدوء و جمعت رائحته المتلاشية قدر الإمكان .
بينما كانت تشم رائحته المحببة، غمرها الفضول بشأن ما قد يفعله لوسيان الآن .
بالنسبة للآخرين، ربما يكون من الأفضل التخلي عن فارس مبتدئ و المضي قدمًا .
هل كان يقودهم و يواصل الرحلة ؟ أم أنه يحاول العثور عليها ؟
في الواقع، لن يفعل أي شخص عاقل شيئًا متهورًا مثل القدوم لإنقاذ سيرفيليا. عندما وصلت إلى هذا الفكر، شعرت ببعض الانزعاج، لكنها سارعت بهز رأسها لطرد الأفكار السلبية .
"حسنًا، لا يهم، حتى لو لم يأتوا لإنقاذي، يمكنني الذهاب و العثور عليهم بنفسي."
نظرت سيرفيليا إلى النار المتأججة و حاولت التفكير بأفكار إيجابية و مبهجة قدر الإمكان.
" أفكار جيدة، أفكار جميلة، أفكار سعيدة … ما هي ؟ "
بعد تفكير ملي، ظهر وجه لوسيان مرة أخرى .
كان مشهد اليوم الذي عزف فيه على العود وهو يرتدي ملابس مريحة في مرعى الأغنام حيًا أمام عينيها كما لو كان يحدث الآن . تذكرت سيرفيليا اللحن المجهول الذي عزفه و بدأت تدندن به .
هل كانت تلك أغنيته المفضلة ؟ وأين تعلم العزف على العود ؟
بينما كانت تطرح أسئلة لا إجابة لها واحدًا تلو الآخر، أدركت حقيقة مهمة .
" بالتفكير في الأمر، لا أعرف الكثير عن الدوق."
لم تكن تعرف ما هو طعامه المفضل، ولا حتى تاريخ ميلاده .
على الرغم من أنها اشتكت من عدم حضوره حفل عيد ميلادها، إلا أن سيرفيليا لم تهتم حقًا بعيد ميلاده .
شعرت بالذنب ينبع من أعماق صدرها .
" … يجب أن أسأله عندما نلتقي مرة أخرى، و أحضر له هدية أيضًا."
أمسكت سيرفيليا بغصن و كتبت قائمة بالأسئلة التي ستطرحها على لوسيان .
" أولاً، ما هو طعامه المفضل ؟ إنه دائمًا مشغول بتناولي الطعام، لذلك لم أره يأكل جيدًا."
عندما فكرت وهي تمسك برأسها، تذكرت أنه كان دائمًا ينقر طعامه في وجبات الطعام . ربما كانت الكعكة هي الطعام الوحيد الذي أكله جيدًا .
" أعتقد أنه قال أن كعكة الجزر لذيذة."
تمتمت وهي تتذكر ذهابها إلى المقهى معه . عندما تذكرت مظهره وهو يرتدي مئزرًا ورديًا و وجهه ملطخًا بالكريمة، انطلقت ضحكة منها.
" لديه جانب لطيف بشكل غير متوقع."
أضافت سيرفيليا "تناول كعكة الجزر معًا" إلى قائمة الأشياء التي ستفعلها عند عودتها .
" هل لونه المفضل هو الأسود ؟ إنه يرتدي ملابس سوداء دائمًا."
فجأة تذكرت أنه ارتدى جوهرة زرقاء في المهرجان . كان الزي الذي ارتداه في ذلك الوقت جميلاً جدًا، لكنها لم تستطع مدحه بكلمة واحدة لأنها كانت عبثًا غاضبة بمفردها.
"يجب أن أطلب منه ارتداء ملابس زرقاء عندما نعود."
لتخفيف أسفها المتأخر، أضافت ذلك أيضًا إلى قائمة الأشياء التي ستفعلها عند عودتها.
بينما كانت تنظم قائمة المهام لفترة طويلة، شعرت بشيء يتحرك في الجيب الموجود على صدرها . أخرجت سيرفيليا السحلية من جيبها و وضعتها على يدها.
" يااا "
حدقت السحلية ذات اللون الأحمر الفاتح بها وهي ترمش بعينيها . بدا الأمر كما لو أنها تفهم ما تقوله .
"همم، هل يجب أن أعطيها اسمًا؟"
على الرغم من أنها طعام احتياطي، إلا أنها ستعيش معها الآن، لذا يبدو أنه يجب عليها أن تطلق عليها اسمًا على الأقل .
لم تفكر سيرفيليا طويلاً قبل أن تجيب .
" أنتِ … سنسميكِ جزرة."
بما أن لونها كان أحمر فاتحًا، بدا اسم "جزرة" مناسبًا تمامًا .
على أمل ألا يأتي موقف متطرف لدرجة أنها تضطر إلى أكلها، اتكأت سيرفيليا على الشجرة و استلقت .
ربما ستتمكن غدًا من العثور على مجرى نهر إندرميست الرئيسي، ثم سيكون العثور على الطريق أسهل بكثير، و ستتمكن من الاحتماء من الرياح في الآثار التي تجدها أحيانًا .
فكرت في جدول أعمالها المستقبلي بتفاؤل و غفت ببطء .
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
وقف لوسيان وهو يطأ جثة وحش ممزقة .
على الرغم من أن الأمر كان مزعجًا بعض الشيء بسبب هجوم العديد من الوحوش في وقت واحد، إلا أنه تمكن من هزيمتهم جميعًا بسهولة .
ألقى كومة الأعشاب الطبية المحترقة التي كان يحملها بعيدًا .
سار ببطء نحو النهر و مسح الدم الذي تناثر على وجهه. بعد أن غسل وجهه، نظر بهدوء إلى النهر .
فجأة، بدا وكأن عينيه المنعكستين في الماء حمراوين .
" …… تبًا "
فرك لوسيان وجهه بيديه بعنف . كان في جيبه زجاجة القوة المقدسة لم يستخدمها قط، لكنه لم يستطع حتى التفكير في إخراجها .
' ليس لدي القوة لاستخدامه لنفسي، يجب أن أعطيه للأميرة، لذلك يجب أن أوفره قدر الإمكان '
بدلاً من ذلك، جلس على صخرة قريبة و أخرج خريطة من جيبه. كانت نسخة طبق الأصل من الخريطة التي تظهر موقع برج الشمال .
كانت هناك علامات X موضوعة على الخريطة لكل طريق سلكه بالفعل .
"هل هذا طريق مسدود أيضًا؟"
عض لوسيان على شفته السفلى و وضع علامة X أخرى على موقعه الحالي على الخريطة .
لقد مر بالفعل ثلاثة أيام منذ أن بدأ البحث عن سيرفيليا. مر الوقت بلا فائدة، وكلما مر الوقت، أصبح لوسيان أكثر قلقًا .
لم يكن لديه وقت للراحة ولو للحظة .
قطف لوسيان حفنة من الأعشاب الطبية التي نمت كالأعشاب الضارة بالقرب منه و وضعها في جيبه، ثم سار بخطى واسعة.
كان ينوي البحث في الغابة الكثيفة التي امتدت على طول النهر .
" أميرة ! "
صرخ بصوت عالي و دخل الغابة . لم يكن هناك رد، لكنه استمر في مناداة سيرفيليا .
لم يهتم إذا اجتذبت صرخاته الوحوش . لا، بل كان هذا ما يريده .
' يجب أن أجذب الوحوش إليّ قدر الإمكان حتى لا تقترب من الأميرة '
أشعل لوسيان النار في كومة الأعشاب الطبية التي كانت في يده و أطلق رائحة نفاذة . هزها ذهابًا و إيابًا لينتشر الرائحة بعيدًا .
سرعان ما بدأ يسعل بسبب الدخان الكثيف .
رائحة هذه الأعشاب المحترقة تجذب الوحوش، وفي الأوقات العادية، لن يقترب منها أبدًا .
' لكن الوضع مختلف الآن '
بعد البحث في الغابة لفترة طويلة، اتكأ لوسيان على شجرة ليستريح للحظة، ولكن، علق شيء غريب بطرف إصبعه .
" هذا …… "
رأى علامة محفورة على جذع الشجرة على شكل حرف "S".
لم تكن هذه علامة عشوائية بالتأكيد . كانت علامة قام شخص ما بنحتها بسكين عن قصد، وكان ذلك بالتأكيد ……
" سيرفيل "
تنهد ثم ركض على الفور إلى الغابة .
****************************