الفصل ٤٠ و ٤١ : ذهبت الأميرة إلى الشمال و أفسدت الأمور


أصيب آرتشي بالذعر، ولم يكن يعرف ما يجب فعله، وانتهى به الأمر بالتعثر و الدوس على غصن شجرة تحت قدميه .

نظر الشخصان في نفس الوقت نحو المكان الذي كان يختبئ فيه آرتشي.

"من هناك؟"

عندما سُمع صوت سحب السيف، لم يجد آرتشي خياراً سوى الظهور، لكنه ضغط قبعته القشية بعمق ليخفي وجهه .

" آه، يبدو أنه أحد عمال المزرعة، هذا جيد."

عندما سمع صوت الأميرة المبتهج، شعر آرتشي أن دموعه على وشك الانهمار . كان حزيناً لأنها لم تتعرف عليه من أول نظرة، مع علمه أنه يجب ألا يكشف نفسه لها.

" أخبرني، كيف نصل إلى المزرعة ؟ "

" يمكنكم الذهاب في ذلك الاتجاه، سيدتي "

مد آرتشي يده مشيراً إلى الاتجاه المعاكس للمزرعة .

بالطبع، بذل قصارى جهده ليغير نبرة صوته أثناء الإجابة .

عندما نظر خلسة، رأى الأميرة خلف الدوق تجر أطراف ملابسه وتبدو متعبة للغاية. كانت تتصبب عرقاً و عيناها تبدوان منهكتين تماماً.

شعر آرتشي بالقلق على الأميرة لكنه لم يستطع إظهار أنه يعرفها .

' لقد طلبت مني ألا أظهر أمامها '

ضغط على قبضة يده و أدار خطواته بصعوبة. وفي اللحظة التي كان يهم فيها بالانصراف، شعر بألم حاد في مؤخرة رأسه .

" ياا، أيها الوغد ! "

جلس آرتشي على الأرض ممسكاً مؤخرة رأسه. قفزت سيرفيليا على ظهره المنحني و بدأت تشد شعره .

" كيف تجرؤ على تركي و الهروب، أيها الوغد ؟ "

" سيدتي، أنا لست …… "

" إلى أين ستذهب تاركاً إياي ! "

عند سماع هذه الكلمات، انفجر آرتشي صارخاً :

"لكنك أنتِ من قلتِ لي أن أختفي!"

صرخت وشعرها ملتصق بجبينها المبلل بالعرق :

" عندما أقول لك أن تختفي، يجب أن تختفي لفترة ثم تعود ! كيف تختفي حقاً ؟ "

" إذن كان عليكِ أن تقولي لفترة مؤقتة ! "

" ماذا ؟ يا لك من مساعد عديم الإحساس و التفكير ! "

أغمض عينيه منتظراً ضربة، لكن ما تلقاه لم يكن لكمة قاسية بل عناقاً حزيناً.

" لقد قلقت عليك ! "

عند سماع كلماتها، انفجر آرتشي باكياً. عانق كلاهما الآخر و بكيا لفترة طويلة .

لم يهدأ الاثنان إلا بعد أن تدخل لوسيان للتوسط بينهما .

بعد أن علما أن آرتشي قد قدم طلباً للعمل في مزرعة الأغنام، تسلق كل من سيرفيليا و لوسيان جبل مالباس مباشرة للبحث عنه .

على عكس المنطقة الشمالية المغطاة بالسلاسل الجبلية الوعرة، لم تكن سيرفيليا، التي نشأت في السهول الواسعة في الجنوب، معتادة على تسلق الجبال .

وصلت إلى هنا بصعوبة بالغة، نصف الوقت زحفًا، والنصف الآخر متعلقة بظهر لوسيان، وبسبب ضياع الطريق عدة مرات، كان صبر سيرفيليا قد وصل إلى حدوده القصوى .

أمسكت بيد آرتشي بقوة و صاحت: " هيا، دعنا نعود بسرعة."

" آه …. لا يمكنني "

"ماذا قلت؟"

" يجب أن أذهب لمنزل العجوز بيلي لأحصل على ثمن الجبن "

تذكر آرتشي المهمة التي كلفته بها السيدة جيس. عندها، تجهمت ملامح سيرفيليا و لوسيان.

" هل نسيت ما هو واجبك الأساسي ؟ أيها اللورد آرتشي، أنت مساعد صاحبة السمو الأميرة، ولست راعي غنم حقيقي "

" لكن السيدة جيس ستكون في انتظاري … "

" حسناً، سأدفع ثمن الجبن بدلاً منه، فلنذهب إلى المزرعة أولاً "

بحثت سيرفيليا في جيوبها، ثم أدركت أنها لا تملك قطعة نقود واحدة . مدت يدها نحو لوسيان و صححت كلامها :

" الأرشيدوق سيدفع "

توجه الثلاثة معًا نحو المزرعة الواقعة في منتصف الجبل، وبعد أن وجدت سيرفيليا أخيراً إنسانها الأليف، أمسكت بذراع آرتشي بإحكام ولم تكن تنوي تركه.

وبما أنها كانت تسير مع آرتشي في المقدمة، لم يلاحظا أن لوسيان كان ينظر إليهما بتعبير مخيف من الخلف .

تمتم آرتشي وهو يمسح العرق عن جبين سيرفيليا :

" يجب أن أجز صوف الأغنام قبل أن يشتد الحر …. "

" إذا كنت لا تريد أن يُجز شعر رأسك، فتوقف عن هذا الهراء."

عندما ظهرت المزرعة الواسعة أمام أعينهم أخيراً، أطلقت سيرفيليا صيحة إعجاب "واو".

كان المشهد أشبه بصورة من كتاب حكايات خيالية : الأغنام البيضاء تتجمع في مجموعات صغيرة وهي ترعى في المرج الأخضر . وكان الهواء البارد منعشاً والشمس ساطعة بدفء.

" آه، السيدة جيس."

"هاه ؟ هل عدت بهذه السرعة ؟ "

ظهرت السيدة جيس وهي تمسح يديها المبللتين بمئزرها. بدت مندهشة عندما رأت الرجل و المرأة الغريبين يقفان خلف آرتشي.

" من هؤلاء ؟ "

" آه …. أنا أخت آرتشي الكبرى "

" أنا أخوه "

بسبب توسل آرتشي ألا يكشفا عن هويتهما، اضطر الاثنان إلى الكذب .

ارتبكت السيدة جيس من عدم وجود أي تشابه بينهم، لكنها سرعان ما فقدت اهتمامها . فقد كانت تدير هذه المزرعة في الجبل رغبةً منها في الابتعاد عن صخب الحياة، ولذلك، لم تدرك أن الشخصين الواقفين أمامها هما الأميرة و الدوق الكبير .

بالطبع، كان من الصعب على أي شخص التعرف عليهما، إذ كانا يرتديان ملابس عامة الناس .

"وما الذي أتى بكما إلى هنا؟"

عندما سألت السيدة جيس بفتور، تقدمت سيرفيليا خطوة للأمام .

" جئنا لأخذ آرتشي …. "

" ابتعد ~ ! "

صاحت السيدة جيس بصوت عالي، متجاهلة كلام سيرفيليا .

أمسكت سيرفيليا بقلبها فزعاً من الصوت العالي. وبمساعدة لوسيان، تمالكت نفسها و حاولت أن تتحدث مجدداً مع ابتسامة متوترة.

" اسمعي، سيدتي …… "

" انظر إلى الوراء ! انظر إلى الوراء ! "

صاحت السيدة جيس مرة أخرى بصوت جهوري وهي تلوح بيديها . كان هناك حمل صغير قد انفصل عن القطيع وابتعد وحده.

أجفلت سيرفيليا مرة أخرى و وضعت يدها على قلبها. ألقت السيدة جيس نظرة سريعة على سيرفيليا و انحنت برأسها قليلاً .

" آه، آسفة، لدي الكثير من العمل "

" سيدة جيس، سيترك آرتشي العمل اعتباراً من اليوم "

قطع لوسيان حديث السيدة الفظ، مباشراً الموضوع من دون مقدمات .

"ماذا؟"

وضعت السيدة جيس الدلو المليء بالماء على الأرض بصوت عالي . فاض الماء و تحول الأرض إلى وحل.

تقدمت سيرفيليا خطوة نحوها، غير مدركة أن حذاءها الجلدي قد تلوث .

"ما الذي تتحدث عنه؟"

"كما قلت، جئنا لاصطحاب آرتشي."

" لقد أخترت آرتشي من خلال برنامج التوظيف، لا يمكن لأشخاص ظهروا فجأة أن يأخذوه "

كان لوسيان بالطبع يعرف جيداً عن هذا البرنامج . فقد كان مشروعاً طموحاً خطط له بنفسه لتوفير وظائف أفضل لشباب لانغفول .

بالطبع، لم يكن يتخيل أن مساعد الأميرة سيتقدم لهذا البرنامج .

تقدم لوسيان قليلاً و شرح الموقف : " آرتشي ليس من سكان إقطاعية لانغفول، لذا لا يحق له التقدم لهذا البرنامج، لقد تم إرساله هنا بسبب خطأ فقط "

" لا يهمني ذلك، أنا معجبة بآرتشي، فهو طيب، و هادئ، و يؤدي عمله جيدًا "

لم تستطع سيرفيليا تصديق ما سمعته .

' …. آرتشي يؤدي عمله جيداً ؟ '

لقد عرفت آرتشي لمدة عشر سنوات، وعمل كمساعد لها لمدة سبع سنوات، لكنها لم تفكر ولو مرة واحدة أنه يؤدي عمله جيداً .

" سيدتي، أعتقد أنك مخطئة، آرتشي لا يجيد العمل، لا يمكن أن يكون جيداً فيه."

نكز آرتشي خصرها بغضب .

" لدي أشياء أجيدها ! "

" مثل ماذا ؟ "

" حـ، حسنًا، لدي أشياء ! "

اختفى آرتشي في الكوخ وهو يتنفس بغضب. على الأرجح ذهب ليجمع أمتعته .

نظرت السيدة جيس إلى ظهره المبتعد بتعبير حزين ثم فتحت فمها .

" حسناً، إذا جاءت عائلته لأخذه، فماذا يمكنني أن أفعل ؟ افعلوا ما تريدون، يمكنني البحث عن عامل آخر "

بينما كان لوسيان يشرح للسيدة جيس كيفية إعادة التقدم لبرنامج التوظيف، تبعت سيرفيليا آرتشي إلى داخل الكوخ .

كان الكوخ أوسع وأنظف مما يبدو من الخارج. كانت هناك طاولة طعام كبيرة مغطاة بمفرش مربعات أحمر بمجرد الدخول، وعليها رغيف خبز كبير من الواضح أنه معد للغداء .

كان المطبخ نظيفاً و مرتباً، والماء البارد يتدفق من المضخة. كان ضوء الشمس يتدفق عبر النافذة الكبيرة، و النسيم المنعش يحمل رائحة العشب النقية .

بينما كانت سيرفيليا مشدوهة أمام منظر الكوخ الهادئ، نزل آرتشي بسرعة من السلم الخشبي ذو الطابقين.

كانت أمتعته قليلة . كان من الصعب تصديق أن هذه الأغراض تعود لآرتشي الذي يهتم بالموضة .

" أين وضعت أمتعتك ؟ "

" آه، معظمها في غرفتك، لذا لم أستطع إحضارها."

"هل وضعتها في غرفتي؟"

" نعم، على أي حال، بما أنني أعيش في تلك الغرفة، كان من الأسهل ذلك."

شعرت سيرفيليا بالدهشة . كيف يمكنه الهرب إلى هذا البعد وهو يحبها و يتبعها إلى هذا الحد ؟

أليس هذا أكثر من اللازم لدفع ثمن زلة لسان بسيطة ؟

شعرت سيرفيليا بغضب تجاه مساعدها، و قالت شيئًا لا ينبغي عليها قوله .

" آه …. لو كنت نطقت اسمه بشكل صحيح في ذلك اليوم، لما عانيت من كل هذه المتاعب "

"ماذا تعنين بذلك؟"

" آه "

أغلقت سيرفيليا فمها دون أن تدرك، لكن الماء قد انسكب بالفعل .

" لم تقصد شيء "

بينما كان لوسيان يحاول التخفيف من حدة الموقف، ساءت الأمور أكثر . نظر آرتشي إلى سيرفيليا بعيون ضيقة .

" لماذا الدوق يعرف شيئًا، لا أعرفه أنا ؟ "

لم يكن لوسيان يعرف أن آرتشي يعتبر معرفته عن سيرفيليا فخرًا كبيرًا له .

وجد نفسه بلا كلمات، وألقى بنظرة محرجة بعيدًا .

آرتشي أجهد دماغه ببطء و وصل إلى حقيقة معينة، ثم أمسك بيد سيرفيليا بنظرة صادمة على وجهه .

" أميرة، هذا مستحيل … لا تخبريني أنك اخطأت بالاسم و قلت اسمي بدلاً من السير آرتشيبالد فيفيان هيل ! "

صدمت سيرفيليا و لوسيان في نفس اللحظة. من كان يظن أن آرتشي سيعرف السر الذي كانت تنوي أن تأخذه معها إلى القبر !

"هل كنت تعرف؟"

" نعم، أخبرني أوريس بذلك منذ فترة، لكنني أعتقدت أنه يحاول أن يسخر مني فقط "

بدأت سيرفيليا تحك مؤخرة رأسها، غير قادرة على اتخاذ قرار. بينما كان آرتشي يضغط على شفتيه النحيفتين بشدة، وكأن دموعه كانت على وشك الانفجار .

" آرتشي، أنت تعلم أنه على الرغم من أنني أحب الرجال الذين يبكون، إلا أنني لست جيدة في تهدئتهم "

هذه المرة، اهتزت عيون لوسيان بشدة . لم تلاحظ سيرفيليا رد فعل لوسيان، واستمرت في الإمساك بآرتشي ومتابعة حديثها .

"لذا دعنا نعود بهدوء، حسنًا؟"

سيرفيليا انتزعت أمتعة آرتشي و فتحت باب الكوخ بقوة. تبعها لوسيان بهدوء، لكن آرتشي وقف مكانه كأنه مثبت في الأرض ولم يتحرك .

" لماذا لا تأتي ؟ "

سألت سيرفيليا بصوت يحمل قليلاً من الانزعاج .

"لن أعود."

" ما هذا الهراء الذي تتحدث عنه مرة أخرى ؟ "

" لماذا ستأخذيني معك إذا كنت ستتصرفين هكذا ؟ "

انتزع آرتشي أمتعته من يد سيرفيليا، وهو تصرف لا يمكن تصوره بالنسبة لآرتشي المطيع عادة .

تقدمت سيرفيليا نحوه وأمسكت بقميصه صارخة .

" لأنك مساعدي ! لا أستطيع أن أتخيل وجود مساعد غيرك ! "

أدى صراخ سيرفيليا الحاد إلى طيران الغربان التي كانت جالسة على السياج . انتشر صياح الغربان في السماء الصافية .

كسر لوسيان الصمت المحرج بتعليق ساخر.

" من سيسمعك سيعتقد أنك تقدمين عرض زواج ! "

" هل تشعر بالغيرة، أيها الأرشيدوق ؟ "

ظلت سيرفيليا ممسكة بقميص آرتشي، و غمزت نحو لوسيان .

كانت السيدة جيس، التي تراقب من النافذة تصرفاتها وهي تعبث مع رجلين في آن واحد، تلعن تحت أنفاسها ثم ابتعدت إلى الفناء الخلفي .

****************************

الفصل : ٤١


" انظري ! سموكِ دائماً ما تسخرين مني و تقومين بمضايقتي، ولم تعترفي بي مرة واحدة، لكن السيدة جيس مختلفة، إنها تمنحني المهام و تمدحني كثيراً، حتى كولي يحبني "

احتضن آرتشي أمتعته كما لو كانت درعاً و هرب إلى ركن الكوخ .

سألت سيرفيليا بخشونة وهي تضغط على رأسها النابض : " ومن هو كولي هذا ؟ "

" إنه كلب الراعي."

أجاب لوسيان بدلاً من آرتشي الخائف .

"وكيف عرفت أنت بذلك؟"

" آه، أنا أحب الكلاب …. "

أراها سرواله المغطى بشعر الكلب . يبدو أنه قد انتهى للتو من إلقاء التحية على كولي . نظرت سيرفيليا إلى شعر الكلب باشمئزاز و تراجعت خطوة للوراء .

" دعنا نتجاوز هذا، لماذا تعمل هنا ؟ لا تقل شيئاً قد يجعل البارون ريفرهيل يفقد وعيه "

استمر الجدال لفترة طويلة بعد ذلك، لكن آرتشي لم يتراجع عن عناده . تجاهل صراخ سيرفيليا العالي و اختفى ليطعم الخراف .

تنهدت سيرفيليا بعمق. أن تعاني كل هذا العناء بسبب اختيار مساعد سيء ….

" يبدو أنه غاضب حقاً."

"هل يليق بفارس أن يتصرف هكذا؟"

سأل لوسيان بنبرة تنم عن عدم التصديق .

" لا أفهم لماذا تتسامح سموكِ معه إلى هذا الحد، بهذا السلوك، لن يكون لديه ما يقوله حتى لو عوقب بتهمة عدم الاحترام "

لكن سيرفيليا، التي كانت تستمع بصمت، بدت أكثر دهشة . ربتت على كتف لوسيان لجعله ينحني، ثم همست في أذنه :

" أيها الأرشيدوق، إذا كان علي معاقبة شخص بتهمة عدم الاحترام، فستكون أنت الأول "

" …. حسنًا، لقد تجاوزت حدودي."

أغلق لوسيان فمه بإحكام و أومأ برأسه .

" للعلم، أنا أتسامح مع آرتشي لأنه ما زال صغيرًا "

عندما قابلت سيرفيليا آرتشي لأول مرة، كان عمره ثلاثة عشر عاماً فقط . وبالإضافة إلى ذلك، كان نحيفاً و صغير الحجم بشكل ملحوظ، مما جعله يبدو أصغر من عمره .

ربما لهذا السبب، حتى بعد مرور عشر سنوات، ما زالت سيرفيليا تراه طفلاً .

" في الثالثة والعشرين، لم يعد صغيرًا، إنه في سن الزواج "

"آه، إذن أنت تعرف ذلك؟"

أغلق لوسيان فمه مرة أخرى بإحكام .

مهما كانت المشاكل التي يسببها آرتشي، فإنها لا تقارن بجرائمه هو خلال السنوات العشر الماضية.

حدقت فيه سيرفيليا بقسوة ثم غيرت الموضوع.

" فكر في طريقة لإقناع آرتشي، لن أعود أبداً بدونه "

" إذن ما رأيك في هذا …. "

أشار لوسيان بيده كأنه يضرب ضربة خفيفة . كان يقترح أن يجعلوه يفقد وعيه و يأخذوه معهم .

عندما سمعت سيرفيليا ذلك، اتسعت عيناها و ظهرت ابتسامة على شفتيها .

" هذه فكرة جيدة، لماذا لم أفكر في ذلك؟ "

ربتت على ظهر لوسيان مشيدة به، ثم التقطت المجرفة المتسخة بالتراب المستندة إلى الحائط .

" حسنًا، لنذهب "

عندما تحركت حاملة المجرفة، صُدم لوسيان وقام بمنعها .

" لـ، لحظة، يا أميرة ! لم أكن أقصد أن نقتله "

" هاه ؟ حقًا ؟ إذن ماذا كنت تقترح أن نفعل ؟ "

وضع لوسيان يده على رأسه النابض . كانت سيرفيليا تميل دائماً إلى التفكير بشكل متطرف.

" دعينا نضع هذه جانباً أولاً."

أخذ لوسيان المجرفة من يدها .

عندما خرجا، رأيا آرتشي يكدس القش في إحدى الزوايا. سيرفيليا، التي انقلبت عيناها غضباً، انتزعت المجرفة من يد لوسيان و بدأت تركض نحو آرتشي .

" يا راعي الغنم ! "

لكن حماسها لم يدم طويلاً .

" مـ، ماذا ؟! "

فقد اندفع كلب الراعي كولي نحوها .

ألقت سيرفيليا المجرفة على الأرض و ارتمت في أحضان لوسيان .

" آآآآه ! "

كان كولي يخرج لسانه و يهز ذيله بجنون و يدور حول قدميها. كان من الواضح للجميع أنه متحمس للغاية لرؤيتها .

" بـ، بسرعة ! ليبعد أحدكم هذا الكلب ! "

لكن في عيني سيرفيليا، بدا وكأن وحشاً ضخماً يهجم عليها .

عاد لوسيان إلى داخل المنزل وهو يحمل سيرفيليا .

لم يدخل كولي، بل استلقى أمام الباب وهو يهز ذيله يميناً و يساراً . بدا محبطاً للغاية، كما لو أنه أدرك أن سيرفيليا تكرهه .

أنزل لوسيان سيرفيليا برفق ثم وجه لها توبيخاً خفيفاً :

" من المدهش أن الشخص الذي وضع قدمه في فم وحش يخاف من كلب "

" أنا لست خائفة، أنا فقط أكره كيف يركض الكلب نحوي و يلحسني و يهز ذيله و يتودد إليّ "

جلس لوسيان على ركبة واحدة وهو يربت على كولي وسأل :

" لماذا تكرهين ذلك ؟ معظم الناس يجدون هذا لطيفاً."

" كيف يمكنه أن يحبني وهو لا يعرفني جيداً ؟ ليذهب و يأكل عظامه "

ارتعدت سيرفيليا وهي مذعورة . كانت محبوسة في المنزل بسبب كولي الذي لم يتزحزح من أمام الباب .

عندما حاولت الخروج من النافذة، تبعها كولي إلى النافذة، وعندما حاولت الخروج من الباب الخلفي، تبعها كولي مهزهزاً ذيله، حتى أنها لم تجرؤ على محاولة الخروج .

جلس لوسيان على الطاولة يشرب الشاي مستمتعاً بالمشهد . كانت سيرفيليا وحدها من لا تستطيع الهدوء .

" بخصوص ما قلتِه للتو …… "

بعد صمت طويل، تحدث لوسيان .

" ماذا ؟ "

"ألا يمكن للمرء أن يحب شخصًا حتى لو لم يعرفه جيداً؟"

كان عليها أن تفكر قليلاً في الأمر، حيث يبدو أنه لا يزال يتذكر ما قالته دون تفكير في وقت سابق .

" لا، هذا ليس حبًا، إنه مجرد شعور عابر "

عندما تحدثت سيرفيليا بحزم، بدأ لوسيان يلعب بكأس الشاي بقلق . اختار كلماته التالية ببطء و عناية .

" …. ماذا لو استمرت تلك المشاعر لفترة طويلة ؟ لفترة طويلة جدًا "

" لا توجد طريقة لأن يكون الحب غير المتبادل طويل الأمد أمرًا طبيعيًا، إنه أمر مخيف "

" فهمت "

ظهر على وجه لوسيان تعبير كأنه تأذى حقًا. وعندما رأت سيرفيليا ذلك، شعرت بغضب يغلي داخلها، ولم تعرف لماذا تشعر بذلك .

فجأة، تذكرت ما قالته أوليفيا .

" همم، تخيلي لو أنك لم تكوني من العائلة المالكة، وأن الدوق لم يكن نبيلاً، ماذا لو التقيتما كرجل و امرأة عاديين ؟"

نظرت سيرفيليا إلى لوسيان الذي يجلس بملابس بسيطة . عندما خلع الدروع التي كانت تثقل كاهله، بدا وكأنه شخص آخر . بدا أكثر حرية، ولكنه كان يشعر ببعض القلق أيضًا.

كان الأمر كذلك بالنسبة لسيرفيليا. شعرت بعدم الارتياح كونها هنا في هذا المرعى البعيد بدون حراسها أو خدمها.

في تلك اللحظة، لم تكن سيرفيليا أميرة، ولم يكن لوسيان دوق الشمال . كانوا مجرد أشخاص عاديين يبحثون عن أخوهم الصغير الذي ضاع. 

تذكرت ما قاله لوسيان في وقت سابق .

" سأخبرك في اليوم الذي لا تكونين فيه من العائلة المالكة، ولا أكون فيه نبيلاً "

' نعم، ربما تكون هذه فرصة '  فكرت سيرفيليا .

أن تكون شخصًا عاديًا و تقضي الوقت مع لوسيان، وأن تكتشف الأسرار التي يخفيها كانت فرصة رائعة .

عندما خرجت السيدة جيس من المخزن، ركض إليها كولي . أخيرًا، بعد أن تحررت، اتجهت سيرفيليا نحو المخزن .

" سيدة جيس ! "

كانت تحمل مقصًا كبيرًا لشعر الأغنام . بدا أن الوقت قد حان لحلق الصوف، كما قال آرتشي .

بدلاً من الرد على نداء سيرفيليا، قامت بتهديد الهواء بمقصها. انتشر صوت احتكاك المعدن الخشن في الحقل، ثم حركت المقص برفق بأطراف أصابعها .

" يبدو أنك تهتمين بأخي جيدًا، ذلك الوغد … أعني، أخي، يصر على عدم العودة إلى المنزل، هذا أمر مزعج حقًا، لكن، هل تعلمين أن جزءًا من المسؤولية في هذه الحالة يقع على عاتقك ؟ لماذا أغريت الفتى و جعلته يتصرف بهذه الطريقة ؟ هل تفهمين ما أعنيه، سيدة جيس؟"

كانت السيدة جيس في حيرة من أمرها من خطاب سيرفيليا غير المتسق . لم تفهم نصف ما قالته .

"ماذا تريدين مني أن أفعل إذًا؟"

" سأعمل هنا حتى تقنعي آرتشي بالعودة "

كان وجه لوسيان الذي تبع سيرفيليا متجهمًا .

* * * * * * * * * * * * * * * * * * *

" أيها الأرشيدوق، أليس لديك الكثير من الأعمال؟"

" نعم، أنا مشغول، تركت الأمور لـهيوز، لكن لا يمكنني البقاء بعيدًا لفترة طويلة "

"إذًا يمكنك العودة إلى القلعة أولاً."

" كيف يمكنني الذهاب بمفردي دون سموك ؟ أرجوك، أسرعي في إقناع آرتشي "

قال لوسيان هذا بحزم، بينما كان يجمع قشًا متناثرًا على الأرض بجدية، ثم قام بربط القش الذي جمعه ببعضه و رفعه بشكل مرتب.

كان يعمل في المزرعة وكأنه محترف، على الرغم من أنه كان يفعل ذلك للمرة الأولى . حتى ملابسه كانت تناسبه بشكل جيد كأنها ملابسه الأصلية .

" يؤلمني رؤيتكَ وأنت تعمل هكذا "

" يبدو أنكِ تستمتعين بوقتك "

بينما كان لوسيان يتصبب عرقًا وهو يعمل، كانت سيرفيليا تتكئ على الباب البعيد و تراقب بهدوء .

كانت ترتدي قميصًا فضفاضًا و ملابس عمل أعارتها إياها السيدة جيس، وحتى قبعة من القش .

كان المنظر الذي تمسك فيه بعشب الكلاب يبدو كأنها امرأة مزارعة، ولم يكن يمكن لأحد أن يتخيل أنها أميرة مملكة أستيريا. ومع ذلك، كانت تناسبها جيدًا .

في الحقيقة، كانت سيرفيليا معجبة بمظهرها، لكن لوسيان نظر إليها بتعبير مليء بالاستياء.

" ألن تعملي، يا أميرة ؟ "

" لقد أنجزت كل شيء "

"بالفعل؟"

"في الواقع، تم طردي "

منذ الصباح، كسرت عشرين زجاجة من حليب الأغنام و تعرضت للوم من السيدة جيس. وعندما رآها آرتشي، انفجر بالضحك حتى كاد أن يتألم، مما جعلها تصفعه .

لم يهدأ غضبها من كون آرتشي قد سخر منها، لذا جاءت لتتحدث مع لوسيان.

عندما اكتشف لوسيان أن سروال سيرفيليا قد تبلل بالحليب، تنهد بضيق.

" حسنًا، هذا متوقع، لأنك لست مناسبة للعمل يا أميرة "

****************************

*

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم

اعلان