الفصل ٣٨ و ٣٩ : ذهبت الأميرة إلى الشمال و أفسدت الأمور


" إلى متى ستظل هكذا ؟ هذا ليس عدلاً في حق سموك ولا في حق الأميرة، أليس من الأفضل أن تتخذ قراراً سريعاً، سواء بفسخ الخطوبة أو بالزواج ؟ "

لم يكن لوسيان جاهلاً بهذه النقطة. لقد احتفظ بـسيرفيليا لفترة طويلة جداً. و استمر في إطالة هذه العلاقة غير المنطقية رغم علمه بأنها تؤذيها .

" أعلم أنني أناني، لكني لا أستطيع أن أفعل شيئاً حيال ذلك "

تنهد بعمق وهو ينظر خارج النافذة .

لقد تخلى لوسيان بيرنز عن الكثير في هذه الحياة . تخلى عن الراحة، والسعادة، وحتى عن حياته كإنسان عادي .

ومع ذلك، كان هناك شيء واحد لم يستطع التخلي عنه …. شخص واحد لم يرد التخلي عنه لأي سبب من الأسباب .

' سيرفيليا '

لم يستطع أن يفهم نفسه عندما يتعلق الأمر بها، فهو دائماً ما يصبح غير عقلاني .

وليس هذا فحسب . فرغم تعهده مراراً بالتظاهر بعدم الاكتراث و البرود، إلا أنه انهار بسهولة أمام هجومها .

مسح لوسيان شفتيه ببطء . رغم أنها كانت ثملة، ما كان يجب أن يقبّلها بتلك الطريقة .

هل عليه أن يشعر بالارتياح لأنها لا تتذكر ؟

' لو تذكرت، هل كانت ستكرهني …. ؟ '

كان يعرف أنها لم تكن جادة، لكن هذا لم يجعل مشاعره الحقيقية أقل وضوحاً .

شعر أنه لن يستطيع الصمود أكثر من ذلك. كان عليه أن يعيدها إلى العاصمة بسرعة قبل أن تكتشف المزيد عنه .

وبقدر ما كان مؤلماً رؤية وجهها مرة أخرى، كان ألم وداعها لا يوصف أيضاً، لكن لم يكن أمام لوسيان خيار آخر .

عندما رأى سيرفيليا واقفة على السور، وعندما تذكر بوضوح ذلك المشهد الذي رآه في أحلامه مئات و آلاف المرات، عقد العزم بشدة على ألا يكرر نفس الشيء أبدًا .

عندما رأى هيوز تعبير لوسيان الحزين، لم يضف المزيد من الكلام . بدلاً من ذلك، سلم الوثائق التي كان يحملها إلى رئيسه .

" هذه سجلات عن حالة الخيول."

قطّب لوسيان حاجبيه وهو يتصفح المستندات . كانت سجلات عن الأعراض غير الطبيعية التي ظهرت على خيول حرس السور .

" الوضع ليس جيدًا "

" نعم، بعض الخيول التي كانت حالتها خطيرة كان علينا التخلص منها، فقد كانت تخرج رغوة من أفواهها وتحولت عيونها إلى اللون الأحمر القاني "

في ذلك اليوم عندما تلقى اتصالاً مفاجئاً وذهب إلى السور، شهد لوسيان بنفسه هذا المنظر الغريب .

الخيول التي كانت هادئة عادةً أصبحت مفرطة في الإثارة، واستمرت في ضرب رؤوسها بالجدران . تطور هذا السلوك الغريب ليصبح مثل نوبة جنون، وفي النهاية كان لابد من التخلص من بعضها .

" هل تعتقد أنه معدي ؟ "

" لا، في الإسطبل الواحد، بعض الخيول تظهر عليها الأعراض والبعض الآخر لا "

" مع ذلك، منعًا لأي احتمال، امنع الجنود العاديين من الاقتراب باستثناء السحرة، وضع تعويذات حماية قوية على السحرة "

حتى الآن، ظهرت الأعراض على الخيول فقط، لكن سيكون الأمر خطيراً للغاية إذا انتقل إلى البشر .

قام لوسيان بمراجعة قائمة السحرة المتقاعدين وأمر باستدعائهم كدعم إضافي .

بينما كان هيوز يدوّن أوامر رئيسه بدقة، تردد قليلاً ثم تحدث :

" سيدي، الجنود قلقون، حتى أن هناك شائعات تدور بينهم تقول إن التلطخ بدماء الوحوش قد يحول الإنسان إلى وحش "

تجمدت ملامح لوسيان . كانت هذه شائعة قديمة اخترعها سكان المناطق الأخرى الذين يحتقرون أهل الشمال .

"لو كان هذا صحيحاً، لكنت أول من تحول إلى وحش، تأكد من منع انتشار هذه القصة خارج السور."

رفض لوسيان تصريح هيوز مباشرة، لكنه فهم قلق الجنود، لذا كان عليه تحديد سبب هذا المرض الغريب بسرعة .

رغم أنه تظاهر بالهدوء أمام الجنود و هيوز، إلا أن لوسيان نفسه كان مضطرباً بنفس القدر .

' هذه المرة الأولى التي يحدث فيها شيء كهذا '

خلال السنوات الطويلة التي حرست فيها عائلة بيرنز الكبرى السور، لم تظهر مثل هذه الظاهرة الغريبة أبداً. حتى بعد البحث في كل السجلات المتاحة، لم يجد أي أعراض مشابهة .

كانت أحداث غير متوقعة تحدث في الشمال. و لوسيان لم يكن معتاداً على مواجهة مثل هذه الأمور غير المتوقعة .

' نعم، يجب أن أعيد سيرفيليا إلى العاصمة بسرعة '

الوضع في الشمال لم يكن جيداً، ولم يكن بإمكانه إبقاء سيرفيليا هنا . في الواقع، كان يجب ألا تأتي إلى الشمال من الأساس .

" ماذا تفعل صاحبة السمو ؟ "

" إنها في غرفتها، يبدو أن الخادمة تحزم أمتعتها."

يبدو أنها ستعود طواعية بعد أن حققت ما تريد .

بعد كل الجهد الذي بذله لإعادتها، شعر بالأسف بشكل غير لائق عندما علم أنها ستغادر .

كبت لوسيان مشاعره المضطربة وأصدر أوامره لهيوز :

" ضع بطانيات كافية في العربة، وتأكد من وجود أحجار التدفئة، وبما أنها تحب الشاي، ضع كمية وفيرة من أوراق الشاي، وأيضًا …. "

كان هناك الكثير للإعداد للرحلة الطويلة، حيث تستغرق الرحلة من لانغفول الشمالية إلى العاصمة شهراً بالعربة . رغم أن سيرفيليا لم تكن متطلبة، إلا أنه أراد أن تكون رحلتها مريحة قدر الإمكان .

" لا تقلق، لقد تم الإعداد لكل شيء بالفعل."

" إذن، هل وضعت بعض الكعك أيضًا ؟ "

" نعم، كعك الزبدة، وكعك اللوز، وكعك الزبيب …. "

" الأميرة لا تحب الزبيب "

قاطعه لوسيان بانزعاج وهو يقطب جبينه .

" آه، لم أكن أعرف ذلك، سأخبرهم بإزالة كعك الزبيب "

استمرت تعليمات لوسيان المتواصلة بعد ذلك. كتب هيوز كل طلباته في مفكرته وهو يتصبب عرقاً .

" هل هذا كافٍ ؟ "

" نعم، هذا يكفي في الوقت الحالي، آه، بمجرد أن تغادر الأميرة الشمال، سأعود مباشرة إلى السور، فكن مستعدًا "

كان من الواضح أن معنويات الجنود قد انخفضت بسبب الأجواء المضطربة حول السور .

كان عليه الذهاب لرفع معنويات الجنود وحل المشكلات القائمة. وليس هذا فحسب، فعليه أن يبقى متيقظاً دائماً لأنه لا يمكن التنبؤ بموعد هجوم الوحوش التالي .

كان العبء ثقيلاً جداً على شخص واحد، لكن هذه هي الطريقة التي عاش بها لوسيان طوال حياته .

تنهد هيوز وهو يحك رأسه قائلاً :

" سيدي، سأخبرك إذا حدث أي شيء، لذا خذ قسطاً من الراحة أحياناً، لم أرك تستريح أبداً في حياتي، من يراك يظن أنك عبد مقيد بالسور "

حط الطائر لاري على حامل القلم فوق المكتب. قال لوسيان وهو يضع الطعام في منقاره :

" الأمر لا يختلف كثيرًا "

* * * * * * * * * * * * * * * * * * *

في صباح اليوم الخامس عشر من وصول سيرفيليا إلى الشمال .

كان خدم القصر مشغولين منذ الصباح في حمل الأمتعة و التحضير للسفر. وبالطبع، استيقظت سيرفيليا، بطلة الرحلة، مبكراً لتستعد لرحلتها الطويلة .

بعد أن خلعت حذاءها و لبسته عدة مرات، و مشطت شعرها مراراً، و عدلت عباءتها مرات عديدة، أدركت أخيراً أنه لم يعد لديها أي عذر لتأخير الوقت .

' سأرحل حقًا '

كانت الرحلة من لانغفول الشمالية إلى العاصمة الجنوبية طويلة وشاقة حقاً.

تنهدت عند مجرد التفكير في ذلك، لكنها فكرت أنه بما أنها قد أتت إلى هنا، فربما تزور الشرق في طريق عودتها إلى العاصمة . لم يكن الأمر سيئاً، فستتمكن من رؤية أخيها ليونارد .

تفقدت سيرفيليا أغراضها الشخصية للمرة الأخيرة، لكن فجأة، شعرت أن شيئاً ما كان مفقوداً .

لم ترى طوال الوقت الشخص المزعج الذي كان دائماً بجانبها .

" أوليفيا، أين آرتشي ؟ "

"حسناً، ربما نزل قبلنا؟"

فتحت أوليفيا الأدراج واحداً تلو الآخر للتأكد من عدم نسيان أي شيء. التقطت شيئاً من على الطاولة بجانب السرير و أحضرته إلى سيرفيليا .

" أميرة، انظري إلى هذا "

"ما هذا؟"

أخذت سيرفيليا قطعة ورق، و رأت خط يد مألوفاً .

[ لقد كان شرفًا لي أن أخدم صاحبة السمو طوال هذه الفترة .
- المساعد السابق، آرتشي ريفرهيل ]

كانت الرسالة مكتوبة بخط يد آرتشي المتعرج المميز، وكانت هناك علامات واضحة تدل على أنه ضغط بقوة أثناء الكتابة، كما كانت هناك بقع من الدموع متناثرة هنا و هناك .

استغرق الأمر بعض الوقت لفهم ما يحدث بالضبط .

أطلقت أوليفيا، التي كانت تقرأ الرسالة من فوق كتف سيرفيليا، صيحة مفاجئة .

" لا يمكن أن يكون اللورد آرتشي قد غادر بالفعل، أليس كذلك ؟ "

****************************

الفصل : ٣٩


كانت سيرفيليا قد جعدت الرسالة ككرة و وضعتها في حقيبتها، ثم اندفعت خارج الغرفة .

نزلت الدرج بسرعة، و تواجهت مع لوسيان الذي أمسك بها قبل أن تتعثر .

"أميرة، إلى أين تذهبين بهذه العجلة؟"

" لقد هرب إنساني الأليف "

" ماذا ؟ "

" ابتعد عن طريقي، فأنا مشغولة ! "

صفعت سيرفيليا ذراعه ثم استأنفت النزول بسرعة . لم تسمع صوت لوسيان وهو يخبرها أن تحذر أثناء متابعتها .

" لا يمكن ! "

على الرغم من أنه كان سيئًا في فن المبارزة، ولا يستخدم السحر، وكان فظيعًا في التعامل مع الأعمال المكتبية، وذاكرته ضعيفة …. إلا أنها كانت بحاجة إلى آرتشي، لم يكن من الممكن أن تخسره بهذه السهولة .

عندما وصلت إلى الردهة المركزية في الطابق الأول، توقفت حائرة .

تذكرت أنها لا تعرف أين يقيم الفرسان . كان آرتشي دائمًا بجانبها، لذا لم تكن بحاجة للبحث عنه من قبل .

" يقع مكان إقامة آرتشي في الجناح الجانبي "

كانت هذه الحقيقة قد لاحظها لوسيان وأخبرها بها بلطف، ثم مد يده ليشير لها الطريق .

دفعت سيرفيليا ظهر لوسيان وألحّت عليه ليأخذها إلى هناك .

مرت بجانب ساحة التدريب، وظهر أمامها الجناح الجانبي بلونه الرمادي الداكن . اقترب منها أوريس الذي كان يطعم قطة برية بالقرب من المكان، و عندما رآها، جاء مسرعًا مبتسمًا.

" سموك، ماذا تفعلين هنا ؟ آه، و الدوق أيضًا هنا "

عبست سيرفيليا و أشارت بيدها ليبتعد . أدرك أوريس بسرعة أن هناك مشكلة، فبدأ في فتح الطريق لها .

دخلت الجناح الجانبي، الذي كان أصغر بكثير من القصر الرئيسي، لكنه كان له سحره الخاص، لكن لم يكن لديها الوقت لتقدير ذلك، فقد هرولت عبر الممر الذي تفوح منه رائحة العرق .

" إنه في الغرفة الثالثة من النهاية "

أومأت سيرفيليا برأسها، و ركضت بسرعة لفتح باب غرفة آرتشي .

" آرتشي ! "

لكن إنسانها الأليف لم يكن في الغرفة .

كانت الغرفة فارغة تمامًا، مرتبة بشكل نظيف، وكانت الأغطية مطوية بعناية، وكل الأغراض الشخصية قد اختفت .

كان قد فات الأوان ….

" كان يجب أن تتحرك بهذه السرعة في الأوقات العادية "

"هل هرب آرتشي حقًا، يا أميرة ؟" 

سأل أوريس، الذي تبعها إلى الممر، وهو يمد رأسه قليلاً . وعندما سمعت كلماته ذات الدلالات، قبضت سيرفيليا على ذراعه و سألته .

"ماذا قال؟"

" قال أنك قمتِ بطرده، وأنه سيبدأ في البحث عن عمل "

شعرت بالدهشة . انضم آرتشي إلى فرقة الفرسان عندما كان في التاسعة من عمره، وعمل كمساعد لـسيرفيليا منذ أن كان في السابعة عشرة .

كيف يمكنه أن يتحدث عن البحث عن عمل بعد أن قضى حياته كلها في التسكع ؟

"ماذا ؟ هل كنت صامتًا بعد سماع ذلك؟"

" أعتقدت أنه يتحدث بالهراء كالمعتاد "

دافع أوريس عن نفسه . لم يكن بإمكان سيرفيليا أن تلومه كثيرًا، لأن آرتشي غالبًا ما كان يتحدث بالهراء .

"ألم يقل أين سيذهب؟"

"لا."

عندما عادوا إلى القصر، رأوا العربات في الساحة الأمامية، حيث كانت المجموعة تستعد للمغادرة، لكن لم يكن هناك أثر لآرتشي بين الحاضرين .

اقترب لوسيان بحذر واقترح :

" أميرة، ربما يجب أن تتركي آرتشي و تعودين إلى العاصمة "

" ماذا ؟ هذا غير ممكن ! لن أتحرك خطوة واحدة بدون آرتشي ! بريدجر ! "

"نعم، سموك "

انحنى قائد الحرس بريدجر أمام سيرفيليا بسرعة .

" اذهب و ابحث عن آرتشي الآن."

على مدار الأيام القليلة التالية، جابت سيرفيليا المدينة بحثًا عنه. بما أنه لم يمر عبر بوابة المدينة، كان من المؤكد أنه في مدينة لانغفول .

لكن آرتشي كان مختفيًا كأنه غاص في الأرض أو ارتفع إلى السماء، ولم يظهر في أي مكان .

وفي اليوم السابع من بحثها عن آرتشي، بينما كان اثنان من فرسان الحراسة يهمان بمساعدتها على الصعود إلى العربة في الصباح الباكر، جاء لوسيان مسرعًا من الخلف .

" أميرة، لقد وجدته."

هز رأسه بسرعة وقدم لها ورقة جلدية .

" قبل أسبوع، قدم آرتشي طلبًا للانضمام إلى برنامج توظيف في لانغفول "

انقضت سيرفيليا على الورقة من يد لوسيان، و رفعتها عالياً. كان مكتوبًا بوضوح في أعلى طلب الانضمام إلى برنامج التوظيف " آرتشي ريفرهيل " بخط يده .

تسارعت أنفاسها وهي تقرأ الوثيقة، وفجأة أطلقت زفرة من الدهشة .

" ما الذي يدفعه للعمل في مزرعة للأغنام ؟! "

* * * * * * * * * * * * * * * * * * *

كانت السماء زرقاء صافية، وكان الحاجز الممتد أمامه مهيبًا، وكانت الحقول الخضراء التي تركض فيها الأغنام خلابة . ويمكن سماع صوت زقزقة الطيور من بعيد، وكانت الشمس مشرقة و دافئة .

وعلى النقيض من هذا المشهد الهادئ، كان آرتشي مكتئبًا .

" أفتقد الأميرة "

قالها دون أن يدرك، ثم غطى فمه بيده .

" لا، لا أفتقدها "

هز رأسه بشدة وهو يصرخ بحزم، لكن لسوء الحظ، كانت أفكاره مشغولة تمامًا بالأميرة سيرفيليا .

لقد تبعها منذ عشر سنوات، حين كان في الثالثة عشرة من عمره . لا يزال يتذكر يوم لقائه الأول بها وكأنه حدث بالأمس .

' ما هذا ؟ '

في يوم ممطر، وجدته الأميرة مختبئًا في الزاوية لأنه كان يكره الركض حول الساحة .

كان خائفًا جدًا، خاصةً لأن الأميرة كانت أكبر منه بأربع سنوات، بل وكانت فارسة أيضًا .

" آسـ، آسف ! "

" عن ماذا ؟ أنا أيضًا أتهرب "

جلست الأميرة على الأرض وبدأت تشرب من زجاجة الخمر، التي يبدو أنها سرقتها من المطبخ .

في عيني طفل في الثالثة عشرة من عمره، كانت الأميرة التي تشرب من الزجاجة تبدو رائعة للغاية .

انجذب آرتشي إليها من النظرة الأولى، وبدأ يتبع الأميرة يوميًا .

على الرغم من أن الأميرة كانت تزعجه أحيانًا، إلا أنها لم تطرده. علاوة على ذلك، وبشكل غير متوقع، عينته كمساعد لها، متحديةً جميع المعارضات .

في تلك اللحظة، أدرك آرتشي أن الأميرة، على الرغم من تصرفاتها القاسية، كانت في الواقع تثق به وتعتز به أكثر من أي شخص آخر.

وبذلك، قرر في يوم تنصيبه كمساعد أنه سيكرس حياته لخدمة الأميرة. سيفعل أي شيء تقوله، وسيتبع أي أمر يُعطى له.

" لم أتوقع أنني سأفصل بهذه السهولة."

الآن، كان آرتشي يشعر بالألم، بل كان مصابًا بخيبة أمل .

" توقف عن التفكير في أمور أخرى وابدأ العمل ! "

"أوه، نعم!"

عاد آرتشي للتركيز مرة أخرى و حلب الغنم، ولأن لمسته كانت خشنة بعض الشيء، أصدرت الغنم صرخة . بدأ آرتشي يداعب ظهر الغنم بلطف ليهدئها.

" آسف، آسف "

لم يكن آرتشي يرغب في العودة إلى العاصمة بمفرده، وكان يشعر أنه لن يتمكن من العودة كمساعد مرة أخرى. كان من غير المقبول كفارس أن يخدم سيدين في آن واحد.

هل يعود إلى فرقة الفرسان مرة أخرى ؟ لم يكن ذلك خيارًا متاحًا .

عندما غادر قلعة لانغفول محملاً بأمتعته في صباح اليوم الذي تشرق فيه النجوم، صادف بالصدفة منشورًا على لوحة الإعلانات يشرح برنامج التوظيف .

كانت هناك وظائف كثيرة مثل المزارع، وعامل المناجم، والنجار، والحارس، ولكن معظمها كانت تتطلب خبرة أو فترة تدريب طويلة، لذا لم يكن لديه أي مكان يذهب إليه، ثم وجد وظيفة راعي الأغنام التي لا تتطلب خبرة أو عمرًا معينًا أو جنسًا .

على الرغم من أن كل ما بناه من خبرات كمساعد و كفارس سيتلاشى، إلا أنه لم يهتم. كان عليه أن يهرب فورًا .

إذا دخل الجبال العالية، فلن يراه أحد.

بعد أن استغرق الأمر نصف يوم للوصول إلى منتصف الجبل، وقع العقد فورًا وبدأ العمل .

" عليك أن تضغط بلطف أكثر قليلاً، حتى لا تصاب الحيوانات بالدهشة "

لحسن الحظ، كانت السيدة جيس، مالكة المزرعة، امرأة صارمة ولكن لطيفة .

على الرغم من أن آرتشي تصرف بشكل مريب بسبب إخفائه لصفته النبيلة، إلا أنها قبلته كراعٍ للأغنام . ولم تكتف بذلك، بل قدمت له مكانًا للنوم و طعامًا، وسمحت له أحيانًا بسرقة بعض حليب الأغنام أو الجبن دون أن تعاتبه.

حملت السيدة جيس، التي كانت تتمتع ببنية بدنية ممتلئة، خروفًا آخر و قامت بتعليمه مجددًا .

كانت حركات أصابعها في الضغط متقنة جدًا. تابع آرتشي تلك الحركات بعناية وحاول تقليدها . 

" هذا صحيح، أفضل بكثير من قبل."

لقد مضى أسبوع على وصوله إلى مزرعة لانغفول للأغنام. كانت حياته هنا متواضعة جدًا مقارنةً بفترة عمله كمساعد للأميرة، لكنه كان راضيًا.

على الأقل، لن يكون عبئًا عليها .

" عمل جيد "

ربت آرتشي على مؤخرة إحدى الأغنام بخفة وأشاد بها، ثم جمع زجاجات الحليب التي تم عصرها وبدأ في رفعها.

بعد جلوسه طوال اليوم لعصر الحليب، كان يشعر بألم في ظهره و أصابعه كانت تؤلمه، لكن لم يكن هناك وقت للراحة . كانت هناك أمور أخرى تنتظره.

على الرغم من أن كل شيء كان جديدًا عليه، إلا أنه وجد الأمر ممتعًا .

كان ابن البارون ريفرهيل، وقد نشأ مدللاً، لذا لم يكن قد جرب مثل هذا العمل الشاق من قبل . ومع ذلك، بدا أن هذه الوظيفة تناسبه أكثر من كونه مساعدًا، وكان يتعرض للعقاب بشكل أقل .

كانت الأغنام لطيفة، وكلب الراعي كان يتبعه بشكل جيد.

ربما لم يكن مقدرًا له أن يكون مساعدًا . كان دائمًا ما يُعاقب بسبب عدم قدرته على القيام بالعمل، وأحيانًا كان يسبب الإحراج للأميرة.

بينما كان غارقًا في هذه الأفكار، أنهى آرتشي نقل زجاجات حليب الأغنام وفتح باب الحظيرة ليخرج القطيع .

"كولي!"

عند نداءه، جاء كلب الراعي كولي يجري من بعيد .

"أتمنى أن تعمل جيدًا اليوم، كولي!" 

قاد كولي القطيع باتجاه العشب الكثيف بمهارة .

عندما نظر آرتشي إلى الأغنام البيضاء وهي تجري نحو المراعي الواسعة، شعر بالسلام في قلبه.

كان يرتدي سروالاً مشدودًا و حذاءً يصل إلى الركبة، وكان وجهه مليئًا بالنمش، مما جعله يبدو كراعي للأغنام وليس نبيلاً .

" نعم، ربما سيكون من الأفضل للأميرة أن أكون بعيدًا، سيكون قائد الحرس أو أكسي جيدين في العناية بها، وهناك أوريس أيضًا …. "

كان يتكلم بينما كان يدوس على الحجارة الصغيرة بأقدامه .

في تلك اللحظة، جاء صوت السيدة جيس الحاد إلى أذنه .

" آرتشي، لا تلهو مع نفسك مرة أخرى، اذهب إلى القرية واحصل على ثمن الجبن من العجوز بيلي ! "

كان لا بد من النزول إلى أسفل الجبل للوصول إلى القرية . كان الأمر مزعجًا و متعبًا، لكن آرتشي أجاب بصوت عالي " نعم " بلا حول له.

حمل قبعة من القش و حقيبة وبدأ يسير نحو أسفل الجبل .

بعد فترة من المشي، وهو يعبر الطريق في الغابة، سمع صوت قادم من بعيد .

" من يكون هؤلاء ؟ لا يمر الناس كثيرًا من هنا "

اختبأ آرتشي بشكل غريزي خلف شجرة وحبس أنفاسه .

" أخبرتك، ليس هذا هو الطريق ! "

جاء صوت امرأة مليء بالقلق، مع صوت شيء يُضرب بعنف .

" هذا هو الطريق الصحيح."

جاء رد الرجل بجدية، دون أي ارتباك . كان كلا الصوتين مألوفين جدًا بالنسبة لآرتشي .

بعد فترة قصيرة، ظهر شخصان .

" إذا تهنا مرة أخرى، سأتركك هنا أيها الأرشيدوق "

" إذاً سأتركك خلفي يا أميرة "

كانا الأميرة سيرفيليا و الأرشيدوق بيرنز .

****************************

*

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم

اعلان