تطاير شعرها الذهبي في الريح القاسية. تقدمت سيرفيليا للأمام وهي تسد أنفها .
من فوق شرفات القلعة، امتدت السهول الثلجية الشاسعة، وفي الأفق، تمتد سلسلة جبال عالية كاللوحة، وكان ضوء الشمس المنعكس على سفوح الجبال مبهراً .
كان المشهد كما توقعت، لكنه لم يكن جميلاً كما تخيلت . هبت رياح كئيبة أكثر من الصراخ، وكانت السماء باردة كالجليد .
عندما نظرت للأسفل متسائلة عن مصدر الرائحة الكريهة، رأت جثة مجهولة الهوية مغروسة في النهر المتجمد، وأطراف الوحوش المقطوعة مغروسة هنا و هناك كالسياج .
كانت بقع الدم واضحة على الثلج الأبيض، كان من الصعب التمييز ما إذا كان الدم بشريًا أم من الوحوش .
انحبس نَفَس سيرفيليا. بدا أن معركة قد وقعت قبل وقت قصير .
" هل هذا ما جعل الأرشيدوق يأتي إلى الحاجز على عجل ؟ "
إذن الأرشيدوق …. هل الأرشيدوق بخير ؟
السهول الثلجية الشمالية الباردة والقاحلة، أرض الموت المتجمدة . خطر ببالها أن هذا قد يكون شكل الجحيم، لم تستطع سيرفيليا أن تبعد عينيها عن هذا المشهد المروع .
معظم سكان الجنوب، بمن فيهم سيرفيليا، لم يتخيلوا أبداً أن الشمال مكان كهذا. وبما أنهم لم يواجهوا تهديد الوحوش، فقد تعاملوا مع الأمر كما لو كان شيئاً لا يخصهم، ولم يولوه اهتمامًا .
ليت الأمر اقتصر على ذلك. فبدلاً من الامتنان لجهود الشمال، ميزوا ضد أهل الشمال و احتقروهم. كم هذا نكران للجميل !
بالطبع، لم تكن سيرفيليا نفسها بريئة من هذا الذنب .
فجأة، تساءلت عما كان يفكر فيه لوسيان هنا، لم تستطع أن تتخيل شعور الوقوف هنا كل يوم، مشاهدًا هذا الموت الفظيع .
مع هبوب الريح الضالة، غمرها شعور لا يوصف بالوحدة . مع كل نفس تأخذه، كان الهواء البارد يقطع أحشاءها كالسكين .
إذا كان مجرد الوقوف هنا للحظات قليلة يجعلها تشعر بهذا البؤس، فكيف كان حاله وهو عالق في هذا الحاجز لأكثر من عشر سنوات ؟
" لماذا يذهب إلى هذا الحد ؟ "
استندت سيرفيليا على الجدار الحجري و جلست على الأرض .
أعلم أن دوقية بيرنز الكبرى ورثت واجب حماية الجدار، علاوة على ذلك، لم يكن لديه والدين أو إخوة ليشاركوه هذا العبء، لكن لم يكن هناك أحد انعزل عن العالم بهذا الشكل مثله، لذلك، لم يبدُ أن واجب العائلة كان السبب الوحيد .
' ما الذي يفكر فيه حقًا ؟ '
فجأة، شعرت بفضول حقيقي حول حياة لوسيان .
امتلأت بأسئلة تريد أن تخترق جداره الحديدي الذي يحيط به نفسه مثل الدرع للحصول على إجابات .
" …. أميرة ؟ "
التفتت بسرعة عند سماع صوت يناديها. وفي النهاية، رأت لوسيان واقفًا هناك بتعبير كمن رأى شبحًا .
" الأرشيدوق ! "
مشت سيرفيليا نحوه بخطوات واسعة. كانت سعيدة بلقائه هنا، و بسبب المشهد المروع الذي رأته للتو، أصبحت خطواتها أسرع و أسرع .
" أرشيدوق، لقد أتيت …. "
لكنها لم تستطع إكمال كلامها. فجأة، غطى جسدها شيء ضخم كالباب .
بعد بضع ثوانٍ، عندما استعادت وعيها، وجدت نفسها في أحضان لوسيان . رمشت سيرفيليا، متسائلة عما يحدث.
لوسيان يحتضنها ؟
ليس هذا فحسب، كان لوسيان يرتجف بشدة و يتنفس بصعوبة . حاولت سيرفيليا الإفلات من أحضانه لكن قبضة ذراعيه كانت قوية جدًا .
كان يتمتم بجنون شيئًا ما، لكن كان من الصعب فهم ما يقوله .
" سيرفيل، لا يمكن، لا …… "
" أرشيدوق، انتظر ! دعني أتحرر ! "
أخيرًا، عندما تحررت من أحضانه، أرادت سيرفيليا أن تسأل عما يحدث، لكن بمجرد أن رأت وجه لوسيان، تجمدت الكلمات في حلقها .
كان يبكي، و بشكل مؤلم للغاية .
" أرشيدوق، ما الخطب ؟ هل حدث شيء ؟ "
أمسكت سيرفيليا بذراعيه بدهشة كبيرة. كان يبكي بحزن شديد لا يتناسب مع حجمه الكبير، لدرجة أنها لم تفكر حتى في السخرية منه .
بدلاً من ذلك، احتضنته برفق و ربتت عليه ببطء. استمرت في ذلك حتى هدأ .
لا تعرف كم من الوقت مر على هذا الحال. أخيراً، هدأ تنفس لوسيان و توقف جسده عن الارتجاف .
" أرشيدوق، هل أنت بخير؟"
نظر إليها لوسيان بذهول كشخص استيقظ للتو من حلم، قطب حاجبيه قليلاً، ثم اتسعت عيناه .
" سيرفيل، لا، أقصد، أميرة، هذا …. لا، هذا …. "
حاول أن يقول شيئاً وهو مرتبك، لكنه بدا كأنه هو نفسه لا يفهم ما يحدث . في النهاية، تخلى عن محاولة الشرح، وبدلاً من ذلك، بدأ ينفض ملابسها المجعدة بعجلة .
" أعتذر، يبدو أنني فقدت صوابي للحظة "
" لا بأس، أنا بخير، لكن ما الذي حدث؟"
نظرت سيرفيليا إليه بعينين قلقتين. عندما أدار لوسيان رأسه محاولاً تجنب نظراتها، تابعت سيرفيليا حركة رأسه محاولة الحفاظ على التواصل البصري .
" لا شيء، حقاً، لا شيء على الإطلاق "
" هل يبكي شخص هكذا من لا شيء ؟ "
كانت عيناه و أنفه محمرين و شفتاه متورمتين. بالإضافة إلى ذلك، كانت آثار الدموع لا تزال على خديه .
عندما رأت ذلك، شعرت سيرفيليا وكأن قلبها يهوي إلى الأسفل، لم ترد أن تضغط عليه أكثر، أرادت فقط أن تهدئه وتريحه بسرعة .
" أرشيدوق، لم يمر سوى بضع ساعات منذ أن افترقنا، هل اشتقت إليّ لهذه الدرجة ؟ لدرجة البكاء ؟ "
عندما مزحت سيرفيليا بخبث، ظهرت أخيرًا ابتسامة خفيفة على شفتي لوسيان، ثم ألقى بإجابة لم تتوقعها على الإطلاق .
" نعم، اشتقت إليكِ كثيرًا، يا أميرة "
نظرت سيرفيليا المندهشة إليه بعينين متسعتين. لم تعرف ماذا تقول، فأطبقت شفتيها بإحكام .
مسح لوسيان ما تبقى من دموعه ثم أمسك بيديها بقوة . كانت حركته طبيعية للغاية لدرجة أنها لم تستطع إلا أن تشعر بالارتباك، لكن في نفس الوقت، كان دفء تلك الحركة يمنعها من سحب يديها .
" رغم أنني قلت لكِ ألا تأتي …. لكن لا يمكنني منعك على أي حال "
" هذا صحيح، فأنا عندما يُقال لي لا تفعلي شيئًا، أزداد رغبة في فعله "
ألقت سيرفيليا بمزحة أخرى لتخفيف حدة الموقف المحرج و الغريب .
ابتسم لوسيان ابتسامة صغيرة، ثم ظل ممسكاً بيدها بقوة لفترة طويلة .
كانت يداه خشنتين و مليئتين بالندوب . كان بإمكانها رؤية تلك الندبة الصغيرة التي تركتها عندما طعنته بالشوكة في طفولتها .
' آه، هذا صحيح '
تذكرت الآن لماذا طعنت ظهر يد لوسيان بالشوكة . خلال وجبة العشاء المشتركة بين العائلة الملكية و عائلة الدوق الأكبر، شعرت بالغضب من نظراته المسترقة إليها .
في البداية، اعتقدت أنها مجرد تخيلات، لكنها أدركت أنها كلما رفعت رأسها تلتقي عيناها بعينيه . كان يحاول تجنب النظر متأخرًا، لكنه لم يستطع تفادي طعنة شوكتها الغاضبة .
شعرت سيرفيليا ببعض الأسف لما حدث في ذلك اليوم، فمسحت على ندبته برفق .
" الطقس عاصف، دعينا نذهب إلى الطابق السفلي، سوف آخذك إلى القلعة "
أمسك لوسيان بيد سيرفيليا بإحكام و قادها إلى أسفل الدرج . نظرت إلى الدرج، ثم إلى الجانب الآخر من الجدار، ثم إلى لوسيان مرة أخرى .
" أيها الأرشيدوق، لدي شيء لأطلبه منك "
" من فضلك تحدثي."
" عندما تقف على هذا الجدار و تنظر إلى ما وراءه، ما الذي تفكر فيه بشكل أساسي ؟ "
ألقى لوسيان نظرته إلى ما وراء الحاجز . كانت الشمس قد غربت بالفعل وكان غروب الشمس طويلاً فوق الحقل الثلجي .
يبدو أن الدم الأحمر يتسرب إلى عينيه الزرقاوين .
" أفكر بك "
" أنا ؟ "
اتسعت عيون سيرفيليا في إجابة أخرى غير متوقعة .
" نعم."
أومأ لوسيان برأسه، و خلع عباءته ولفها حول كتفيها . حتى القبعة تم وضعها بعناية لمنع الرياح الباردة .
قال وهو يدس شعر سيرفيليا البارز خلف أذنها.
" لا تتألمين في أي مكان، ولستِ مصابة في أي مكان، لقد فكرت في أنك تعيشين بسعادة في الجنوب الدافئ، و تتناولين الطعام الموسمي اللذيذ و تفعلين ما تريدين القيام به."
في تلك اللحظة، انتشرت ابتسامة باهتة على شفاه لوسيان. مع غروب الشمس، توهج محيطه باللون الذهبي .
" إذا فكرت بهذه الطريقة، فيمكنني تحمل أي شيء "
لم تتمكن سيرفيليا من العثور على أي شيء لتقوله ردًا على ذلك .
" دعنا نغادر "
أمسكت يد لوسيان ونزلت من الحائط دون أن تنبس ببنت شفة .
طوال طريق العودة إلى القلعة، كان عقلها مليئًا ببكاء لوسيان البائس .
****************************
الفصل : ٣٥
حتى في اليوم التالي، لم تستطع سيرفيليا أن تنسى ما حدث عند الحاجز، كانت مشتتة تماماً لدرجة أنها لم تسمع حتى ثرثرة آرتشي بجانبها.
' لماذا بكى بذلك الشكل ؟ '
كيف يمكن لرجل بدا دائمًا قويًا جدًا، أن يبكي بشدة مثل طفل ضائع ؟
كان الموقف غريباً جداً لدرجة جعلتها تتساءل ما إذا كانت تحلم .
' هل ارتكبت خطأً ما ؟ '
رغم أن تتبعها له سراً إلى الحاجز لم يكن تصرفاً جيداً، إلا أنه لم يكن سبباً للبكاء. هي حتى لم تعبر الحاجز، بل وقفت فقط فوقه، وبطريقة آمنة تماماً .
يبدو أن حادثة إصابتها الخطيرة السابقة عندما واجهت الوحش خلف الحاجز ما زالت تؤثر عليه بشدة .
' الناس قد يتعرضون للإصابة في حياتهم، هل يبكي لمجرد ذلك ؟ '
يبدو أن لوسيان كان رجلاً رقيق القلب أكثر مما يبدو عليه . هزت سيرفيليا رأسها محاولة طرد صورته من ذهنها، لكن مهما حاولت أن تنسى، لم تستطع، ومهما حاولت تجاهل الأمر، ظلت ذكرى الدموع تنهمر من عينيه الزرقاوين الجميلتين تتراقص أمام عينيها .
" آه، أميرة ! أنتِ تسكبين الشاي!"
كان الشاي يفيض من الفنجان الذي تمسكه سيرفيليا و يقطر على سروالها .
بدأ آرتشي يتذمر وهو يمسح الشاي المنسكب، لكن سيرفيليا لم تهتم بما كان يفعله آرتشي، وظلت غارقة في أفكارها .
"هل حدث شيء عند الحاجز بالأمس؟"
" لا، لم يحدث شيء يُذكر."
" حقًا ؟ كنتِ شاردة الذهن طوال اليوم، ظننت أن الدوق الأكبر قد اعترف لك بمشاعره "
قفزت سيرفيليا من مكانها فزعاً .
" اعتراف ؟! كيف يمكن لذلك الشخص أن يـ، يعترف لي ؟ "
" لما لا ؟ من وجهة نظري، يبدو أن الدوق الأكبر يحبك "
قال آرتشي ببساطة وهو يقضم البسكويت .
" ما هذا الهراء الذي تتحدث عنه ! "
" إنه صحيح، كرجل، أستطيع أن أرى ذلك بوضوح."
وفجأة، أدركت سيرفيليا حقيقة مهمة جداً.
" …. آه صحيح، أنت أيضًا رجل يا آرتشي ؟ "
" أميرة ! "
الآن فقط بدأت تهتم بسماع ما يقوله آرتشي. اقتربت منه و همست بصوت خافت. التصق آرتشي بجانبها و أمال أذنه ليسمع .
" آرتشي، هل تعتقد ذلك حقاً ؟ هل تعتقد أن الدوق الأكبر …. لديه مشاعر تجاهي ؟ "
" نعم، هذا ما أعتقده."
جلست سيرفيليا و ضمت ركبتيها، غارقة في التفكير . قلد آرتشي حركتها بالضبط و أسند رأسه برأسها .
" لا، مستحيل."
هزت سيرفيليا رأسها فوراً لتطرد هذه الأفكار. عندما تستعيد كل ما حدث حتى الآن، كان من المستحيل أن يكون الأمر كذلك .
كان من الواضح أن لوسيان يحترمها فقط لأنها من العائلة المالكة و امرأة أيضًا . بالإضافة إلى ذلك، كان هناك سؤال آخر يحيرها .
" لكن كيف يمكن أن يحبني بعد كل ما فعلته لإزعاجه ؟ "
" هذا ما يحيرني أيضًا، لكن هناك أنواع مختلفة من الناس في هذا العالم "
مرت في ذهنها كل تصرفاتها السابقة . فكرت أنه قد يكون من الصعب أن يعجب بها، ليس كامرأة فحسب، بل كشخص بشكل عام .
" لا، مستحيل "
" لكنني متأكد من ذلك "
" ما دليلك ؟ "
" نظراته."
عندما نظرت إليه سيرفيليا بارتياب، واصل آرتشي حديثه :
" أعرف ذلك جيدًا لأنني دائمًا خلفك، حتى عندما لا تنظرين إليه، يكون الدوق الأكبر ينظر إليكِ "
لكن سيرفيليا لم تلاحظ أبداً مثل هذه النظرات.
ألم يكن لوسيان دائمًا يعبس أو يتنهد عندما ينظر إليها ؟
لا يمكن للمرء أن ينظر بهذا التعبير لشخص يحبه .
' لكن بالأمس …. '
كان لوسيان عند الحاجز يبدو كشخص مختلف تماماً. كان تعبيره عن مشاعره ونظرته إليها مختلفين تماماً عن المعتاد .
نعم، ربما كان آرتشي على حق .
' لا، ربما كل شيء مجرد وهم '
بعد أن أرهقت نفسها بالتفكير المتناقض، نهضت سيرفيليا فجأة من مكانها .
' سأسأله مباشرة، لن أصل إلى إجابة بمجرد التفكير وحدي '
في تلك اللحظة، سمعت صوتاً مألوفاً في الممر .
" بعد إجراء المزيد من التحقيق …. "
اندفعت سيرفيليا خارج الغرفة . رأت لوسيان في نهاية الممر .
" أيها الأرشيدوق، أرشيدوق ! "
ركضت مسرعة خلفه. استدار وهو غارق في أوراقه .
" نعم، أميرة "
" ما الذي تنظر إليه بتركيز شديد ؟ "
" آه، لا شيء مهم "
" حسنًا، هل أنت مشغول الآن ؟ "
سألت سيرفيليا وهي تنظر بالتناوب بين الأوراق في يديه و يدي مساعده .
" لا، في الواقع كنت أفكر في أخذ قسط من الراحة "
سلّم لوسيان جميع الأوراق التي في يده إلى مساعده. بدا المساعد محرجاً، لكنه لم يستطع الاعتراض .
"أميرة، الطقس جميل بشكل خاص اليوم، هل ترغبين في التنزه معي؟"
عندما نظرت خارج النافذة متبعة إشارة يده، كان الطقس صافياً حقاً. بدا وكأن الربيع قد حل أخيراً بعد شتاء قاسٍ .
ابتسمت سيرفيليا للوسيان. لم يكن هناك سبب للرفض .
" حسنًا، لنذهب الآن "
عندما همّت بالركض مباشرة، أمسك لوسيان بكتفها .
" عليكِ أن تنتعلي حذاءك أولاً، يا أميرة "
عندما نظرت إلى الأسفل، كانت حافية القدمين . لم يكن لديها وقت لانتعال حذائها في عجلتها للخروج عندما سمعت صوته .
" آه، حسنًا "
سُمعت خطوات من الخلف، و جاءت أوليفيا حاملة زوجًا من الأحذية منخفضة الكعب. أخذ لوسيان الحذاء .
"دعيني أساعدك في ارتدائه."
ركع على ركبة واحدة دون تردد وساعدها في ارتداء الحذاء .
نظرت إلى رأسه بصمت، كان شعره يتمايل برقة .
كيف يمكن أن تهب الريح هكذا في الداخل ؟
دون أن تدرك، مدت يدها لتملس شعره . كان الإحساس بشعره الناعم بين أصابعها لطيفاً .
" أميرة ؟ "
سمعت صوت لوسيان المندهش. سحبت يدها بسرعة .
" لا شيء، فقط شعرك ناعم جداً."
بعد هذا العذر غير المقنع، هربت نازلة الدرج .
" لا تركضي، يا أميرة ! "
لحق بها لوسيان حتى المدخل الرئيسي ولف حول كتفيها عباءة سميكة .
" ما زال الهواء بارداً "
ربما بسبب الجري، كان جسدها يتعرق، لكن لم تكره لمسة يده، لذلك ظلت صامتة .
أرشد لوسيان سيرفيليا إلى الفناء الخلفي . لم يسبق لها أن جاءت إلى هذا المكان أثناء إقامتها هنا .
كان هناك ممر ضيق يمتد حتى نهاية السياج المنخفض . عندما فتح لوسيان باب السياج، مد يده .
" تقدمي أولاً "
" ماذا ؟ آه، حسنًا "
مرت سيرفيليا بجانب لوسيان و مرت من الباب .
خطوة بخطوة، كانت تمشي ببطء، وكان عليها أن تتنفس بصعوبة . كل حركة بدت غير طبيعية، وكأنها دمية خشبية .
' ما الذي يجعلني أشعر بهذا القدر من الارتباك ؟ '
وبينما كانت مشوشة، شعرت بالهواء البارد .
أخذت سيرفيليا نفساً عميقاً. كانت رائحة الهواء المنعش و المختلطة برائحة العشب الجديد لا يمكن تقليدها بأي عطر.
عندما بدأت تتبع مصدر هذه الرائحة، رأت لوسيان الذي كان يستمتع بأشعة الشمس الربيعية .
عندما التقت عيونهما، ابتسم لها .
' آه '
لو كانت تستطيع، كانت ستحتفظ بهذه اللحظة إلى الأبد .
رفرفت فراشة صفراء زاهية بالقرب من شعر لوسيان كما لو كانت تفكر بنفس الشيء .
سمعت سيرفيليا خطوات لوسيان وهو يتبعها من خلفها، وكأن لديها عيون في مؤخرة رأسها، استطاعت تخيل مظهره تمامًا .
" الحديقة ليست جميلة، يبدو أنه لا يوجد من يهتم بها "
قال لوسيان كما لو كان محرجًا و دفع الشجيرات جانبًا ليفتح الطريق .
كما قال، كان الفناء الخلفي أقرب إلى كونه غابة كثيفة من كونه حديقة، لكن سيرفيليا لم تكن تهتم، سواء كانت هذه حديقة أو غابة .
كانت الحقول الكثيفة تشبه السحاب، وكانت الأزهار البرية غير المرتبة تبدو كأنها نجوم متناثرة في السهول .
" لقد رأيت حدائق مصممة بشكل مثالي في القصر لدرجة أنني شعرت بالملل منها، لكن هذا الشعور الطبيعي ليس سيئًا "
كانت سيرفيليا تمشي بخفة، ولم تستطع إخفاء شعورها بالفرح . وفي كل مرة كانت تمر فيها، كانت نسمات الربيع الدافئة تمر عبر حاشية ملابسها .
" كنت أعتقد أن الشمال بارد كل يوم، لكن يبدو أن الربيع قد جاء "
" صحيح، هناك زهور تتفتح، والأشجار تصبح خضراء، حتى في الشمال، في الصيف، يمكن أن يكون الجو لطيفًا لدرجة أنه يمكنك ارتداء ملابس خفيفة "
" صيف الشمال "
نظرت سيرفيليا إلى السماء ثم نقلت نظرها إلى لوسيان مرة أخرى .
في البداية اعتقدت أنه شتاء متعب، لكن الآن شعرت برائحة صيف منعشة .
تملكها فضول حول ما إذا كان الصيف في الشمال سيكون لطيفًا .
" أود أن أرى ذلك أيضًا "
ابتسم لوسيان دون إجابتها و استمر في قيادتها .
" تعالي من هنا، يا أميرة "
****************************