أصبحت سيرفيليا التي بقيت وحيدة في الغرفة، هادئة لفترة طويلة، وذلك لأن الألم الذي كان هادئًا، شعرت به فجأة دفعة واحدة .
وبينما كانت العظام و اللحم تلتئم مرة أخرى، كانت هناك حكة و حرقة في منطقة المفصل، وحتى أدنى حركة تسبب ألمًا قويًا .
لم تتمكن من العودة إلى رشدها حتى أتت أوليفيا، خادمتها الشخصية .
" سيدتي، هل أنتِ بخير؟"
" لست على ما يرام أبدًا، لذا اذهبي و احضري وصيتي "
تمتمت سيرفيليا وهي تتصبب عرقًا باردًا .
نظرت أوليفيا إليها بعيون يرثى لها وحركت الحساء الذي أحضرته .
" أنتِ لا تعرفين كم أنتِ محظوظة لأنك سالمة، لقد كدتُ أنا و السير آرتشي أن يغمى علينا عندما رأيناك الليلة الماضية "
الآن بعد أن فكرت في الأمر، بمجرد أن رأيت آرتشي، بدأت أتحدث بالهراء و طردته من الغرفة .
كان ذلك الرجل فارسًا لكنه يفقد وعيه عند رؤية الدم، لذلك استطعت أن أتخيل مدى صدمته عندما رآني في تلك الحالة .
" لا بأس أنا على قيد الحياة، فلماذا القلق ؟ "
" أنتِ شخص لا يمكن التنبؤ به، تفعلين ما تريدين فقط "
نفخت أوليفيا الحساء الساخن لتبريده ثم سلمته إلى سيرفيليا .
لم ترفض و تناولت الحساء، وذلك لأن الجوع الذي كان منسياً بسبب الألم قد عاد .
" أعتقدت أنني سأكون وجبة للوحش، لكنني على قيد الحياة و آكل الحساء "
" لا تقولي مثل هذه الكلمات المشؤومة."
أخذت سيرفيليا وعاء الحساء من يد أوليفيا و أكلت، وبعد إفراغ الوعاء، بدأت بشرب الشاي الدافئ و تناول بسكويت الزبدة الطرية .
" أنتِ لا تعرفين كم كان الأمر مخيفًا، الدوق الأكبر يحمل شخصًا ملطخًا بالدماء بين ذراعيه، و يمسك كاحله المقطوع بيد واحدة "
ارتجفت أوليفيا، كما لو كانت تشعر بالقشعريرة بمجرد تذكر الأمر .
" و الآن سأحضر لك بعض ماء الاستحمام "
" أوه، كلا، أنا متعبة."
" انظري إلى نفسك الآن "
عندما نظرت إلى الأسفل، رأيت الدم المتقشر في جميع أنحاء جسدي .
يبدو أنهم لم يستطيعوا تنظيف حول الجرح جيدًا لأنها كانت مصابة بشدة .
اضطرت سيرفيليا في النهاية إلى الموافقة على الاستحمام .
جلبت الخادمات الماء الساخن و حوض الاستحمام . دخلت الماء ببطء، و رفعت ساقها لمنع السحر الذهبي من لمس الماء .
"أين آرتشي، على أي حال؟"
"حسنًا، اللورد آرتشي أمام الباب الآن."
" ماذا يفعل هناك، لماذا لم يأتي فقط ؟ "
" إنه يبكي لأنك طلبتِ منه المغادرة …. "
أطلقت سيرفيليا تنهيدة طويلة . كان مساعدها آرتشي غريبًا بعض الشيء، فقد كان يستمع جيدًا حتى للكلام الصغير .
إذا طلبت منه المغادرة ولم أقل أي شيء آخر، فإنه يمسك بمقبض الباب و يبكي حتى يموت .
بعد الاستحمام و ارتداء بيجامة شتوية سميكة، أمرت أوليفيا بإستدعاء آرتشي.
عندما فُتح الباب، رأيت آرتشي جالسًا في الزاوية، يبكي . ألقى نظرة سريعة ثم دخل إلى الداخل .
" اذهب إلى غرفتك و استريح، ماذا تفعل هناك ؟ "
" لم أتأكد من حالتكِ بعد "
جلس بجانبها، و اشتكى من أن الأرشيدوق قد أزعجه، ثم فعل شيئًا عديم الفائدة حقًا، مثل فتح عيني سيرفيليا بقوة و رفع إصبعه ليسألها عن عددها، فضربته على ظهره .
" لكن الأرشيدوق بيرنز مختلف تمامًا عن الشائعات "
" شائعة ؟ أي نوع من الشائعات؟"
خفض آرتشي صوته وهمس .
" إنه ليس وحشًا، اعتقدت أنه سيكون له قرون على رأسه على الأقل "
" ما هذا الهراء الذي تتفوه به ؟ "
عندما هاجمته سيرفيليا، تدخلت أوليفيا و تحدثت .
" اللورد آرتشي على حق، هناك شائعة مفادها أن الأرشيدوق كان مغطى بالكثير من دماء الوحوش لدرجة أنه أصبح وحشًا، يقولون لهذا السبب لم يغادر الشمال "
" حسنًا، هل هناك أي شائعات أخرى ؟ "
" همم، أنا لا أعرف، هناك الكثير من الشائعات، من بينها لا أعرف إذا كان هذا حقيقيًا، أنه شخص كتوم لدرجة أن الجميع مهتمون به "
كما قال آرتشي، كان لوسيان رجلاً غامضًا يكتنفه الغموض، و نادرًا ما كان يحضر الحفلات، و عندما زار العاصمة اختفى بمجرد انتهاء عمله، وبما أنه كان شخصًا لم يتفاعل أبدًا مع النبلاء الآخرين و ظل دائمًا محصوراً في الجدار الشمالي، كان من الطبيعي أن تنتشر الشائعات الكاذبة .
"على أية حال، ما الذي تحدثتِ عنه مع الأرشيدوق؟"
" آه، لقد تقدمت للأرشيدوق."
أجابت سيرفيليا بنبرة خالية من الهموم، كما لو كانت تتحدث عن قائمة الإفطار .
" …. ماذا ؟ فجأة ؟! "
نظر إليها آرتشي و أوليفيا بتعبيرات متفاجئة .
لقد كانت سيدتهم دائمًا شخصًا لا يمكن التنبؤ به، لكنها فجأة طلبت يده للزواج ! لم يفهما ذلك على الإطلاق .
" لا، هل تعنين أنك قلتِ له عن فسخ الخطوبة ؟"
" لن يحدث ذلك إذا فسخت الخطوبة بمفردي، عليّ أن أجعل كلمة فسخ الخطوبة تخرج من فمه، لهذا السبب تقدمت له "
أمال آرتشي رأسه كما لو أنه لم يفهم .
" وماذا ستفعلين إذا قبل الأرشيدوق عرض الزواج ؟ "
" أوه، لقد رفضني بالفعل "
صرخ آرتشي و أوليفيا في نفس الوقت على كلماتها .
" ماذا ؟ هل فقد ذلك الرجل عقله ؟ "
" كيف يجرؤ على رفض عرض زواج صاحبة السمو ؟ "
لم يتمكن الاثنان من إخفاء غضبهما مثل القنافذ التي تدافع عن أطفالها .
" صحيح، لذا، لديّ شيء لأفعله "
" وما هو ؟ "
ظهرت نظرة قلقة على وجه آرتشي و أوليفيا .
انتشرت ابتسامة مؤذية على وجه سيرفيليا بعد رؤية رد فعلهم . ومع ذلك، سرعان ما سحبت ابتسامتها و أعلنت بحزم .
" من الآن فصاعدًا، سوف أقوم بتعذيبه بطريقة لم يختبرها لوسيان بيرنز الفخور من قبل "
* * * * * * * * * * * * * * * * * * *
" سيدتي، استيقظي "
اليوم التالي .
فتحت سيرفيليا عينيها على صوت أوليفيا الودي .
كانت أشعة الشمس الربيعية الدافئة تسطع على سريرها . غمر جسدها في الدفء و عادت إلى البطانية .
" قليلاً بعد …. "
" لا، استيقظي الآن، لقد كان الدوق الأكبر و الساحر في انتظارك لفترة طويلة "
" حسنًا، أخبريهم أن يدخلوا."
بالكاد استيقظت وكانت تفرك عينيها الناعستين عندما دخل الساحر و لوسيان الغرفة .
" لقد جئت لرؤيتك أيتها الأميرة "
لوحت سيرفيليا بيدها بخشونة في التحية ثم تثاءبت طويلاً .
" سيدتي، اسمحي لي أن ألقي نظرة."
رفع الساحر البطانية و فحص كاحلها، و بالنظر إلى أن السحر الذهبي قد تلاشى، بدا وكأن العلاج قد اكتمل إلى حد ما .
" سمعت أن كاحلي قد سقط تمامًا، هل شفي الآن ؟ "
نظرت سيرفيليا إلى الأسفل وهي تشعر بالسوء، لكن لحسن الحظ كان كاحلها في المكان الصحيح .
نظر الساحر حول كاحلها، و قال مع تعبير فخور .
" لقد شفي بشكل جيد، شفاءك جيد جدًا يا سيدتي "
" يا للراحة، ثم استعدي للعودة على الفور "
قبل أن يتمكن الساحر من إنهاء حديثه، تحدث لوسيان بسرعة ثم وبخه الساحر .
" لكن هذا لا يزال كثيرًا بالنسبة لرحلة طويلة، إنها بحاجة إلى الراحة لمدة 15 يومًا على الأقل "
" لمدة 15 يومًا ؟ "
عندما أظهر لوسيان علانية علامات الانزعاج، التفت الناس من حوله لينظروا إلى بعضهم البعض .
أصبح الجو مقفرًا للغاية لدرجة أن جميع فرسان سيرفيليا شعروا بالحرج .
' إنه يشعر بالإحباط لأنه لا يستطيع طردي '
شعرت سيرفيليا بالإهانة الشديدة لدرجة أنها كانت ستقوم بتوبيخه بأنها ستعود على الفور، لكنها بالكاد تمالكت نفسها .
بعد أن جمع الساحر أغراضه و غادر، اقترب منها لوسيان وسألها .
" أميرة، هل يمكنكِ أن تمنحيني لحظة ؟ "
" أي طلب لك، اجلس و دعنا نشرب كوبًا من الشاي معًا "
انتقلت سيرفيليا إلى الأريكة بمساعدة مرافقيها، بريدجر و أكسي .
أحضرت الخادمة الشاي وقدمته لهما .
" أنا سأفعلها "
عندما تراجعت الخادمة، سكب لوسيان ثلثي الشاي في فنجان شاي سيرفيليا و أضاف قطعتين من السكر . بعد التحريك بلطف بملعقة صغيرة لإذابة السكر تمامًا، سلم الكوب إليها .
" تفضلي يا أميرة "
"كيف عرفت ذوقي؟"
بللت سيرفيليا شفتيها في الشاي و سألت بهدوء، ثم اندهش لوسيان ولف عينيه .
" حسنًا … نعم، رأيت ذلك مرة واحدة من قبل "
" فهمت "
لم تستطع سيرفيليا حتى أن تتذكر ما إذا كانت قد شربت الشاي مع لوسيان من قبل، لكنها لم تضيف أي شيء آخر .
في الغرفة، لم يبقى سوى الصوت الخفيف لفنجان الشاي الذي يتم تحريكه بملعقة صغيرة، وساد الصمت بين الاثنين للحظة .
فتحت سيرفيليا فمها بشكل طبيعي أثناء النفخ في الشاي .
" على أية حال، ألم تنم جيدًا ؟ هل تعتقد أن حالتك أسوأ من حالتي ؟ "
بدا لوسيان متعبًا جدًا، حيث كانت المنطقة تحت عينيه داكنة و بشرته خشنة، لقد اعتذر وهو يفرك خده بحرج .
" حسنًا، كانت الرياح شديدة الليلة الماضية لدرجة أنني واجهت صعوبة في النوم "
" آه "
فرك لوسيان مقبض فنجان الشاي بإبهامه وفتح فمه ببطء .
" لقد فكرت مليًا في ما قلتيه "
" ماذا ؟ "
" … لقد طلبتِ مني أن أتزوجك الليلة الماضية "
****************************
