الفصل ١٦٢ : ‏Do Your Best to Regret

{ مرحبًا }


" آنستي، آنستي، أرجوكِ أن تمنحيني بعض الوقت للحظة، لا تعلمين كم فكر بك الدوق أثناء غيابكِ."

واصل اللورد هُكسلي كلامه بسرعة، وكأنه نسي أن يتنفس، كما لو كان يعلم أن هذه هي فرصته الأخيرة، لكن للأسف، لم تصل كلمات اللورد هُكسلي إلى أوليڤيا بذاك القدر من التأثير .

بعد خروجها من المكتب، كانت مشغولة كعادتها بتفحص ما حولها .

لا بد أنه هنا … وعندما غادرت المبنى و وصلت إلى مقدمة الشرفة حيث يتلألأ ضوء القمر، ابتسمت أوليڤيا ابتسامة خفيفة .

كانت تعلم أنهم قادمون .

" هل انتهى النقاش بشكل جيد ؟ "

حتى مع قدوم الخريف بعد الصيف، عندما يبتسم إدوين، يصبح كل ما يحيط بـأوليڤيا دافئاً كأشعة شمس الربيع .

استشعرت أوليڤيا تلك اللحظة الجميلة بكل ما فيها، ورفعت ذقنها بفخر، ثم مدت ظهر يدها بثقة .

" بالتأكيد، النصر حليفنا."

بينما كان الفرسان الواقفون خلفها يميلون رؤوسهم باستفهام، تبادل الاثنان اللذان تقاسما سرًا نظرات دافئة .

" وأنت يا إدوين، هل انتهى الأمر جيدًا ؟ "

رفع إدوين وثيقة التفاوض بفخر . كانت وثيقة نقل ملكية الأراضي، المكتوبة بخط أنيق، مختومة بتوقيع وختم سحري دقيقين .

أوليڤيا، التي كانت تبتسم ابتسامة مشرقة، رمشت عندما رأت اسمها المكتوب بأسفل الوثيقة. الآن حان دور إدوين ليتفاخر .

" لقد لحقتُ بالأميرة في طريق عودتها، و استدعيتُ وكيلها المالي، و وضحت مطالب أوليڤيا بشكل قاطع أيضًا."

وفي الجزء السفلي من الوثيقة، المزدحم بأسماء اثنتي عشرة إقطاعية مملوكة للأميرة، كان ختم الأميرة السحري موجودًا أيضًا .

كان معنى هذه الوثيقة شيئاً واحداً فقط : انهيار العائلة الإمبراطورية الراسخ المعتمد على ثرواتها الغنية .

نظرت أوليڤيا إلى القصر الإمبراطوري بحيوية متجددة، ثم، للحظة، التقت عيناها بعينين لم يستطع مناداتها .

جايد مادلين. كان يلهث غير مدرك لكيف وصل، يفتح فمه ويغلقه دون أن ينطق بكلمة .

" أيها اللورد مادلين … ! "

نادى اللورد هُكسلي، الذي خرج مع أوليڤيا، مناديًا جايد بترحيب .

قبل أن يخطو جايد المتردد خطوته نحوها، أومأت أوليڤيا إليه برأسها بخفة . جايد مادلين، الذي لم يعد بحاجة للغضب، ربما كان سيفهم معنى إيماءتها هذه بأفضل شكل .

لذلك، لم تكترث أوليڤيا إذا أصبح وجهه شاحبًا أو رماديًا، ولم تستدر لتتحقق، بل اتجهت نحو إدوين .

آه، نعم، لم تنسى الوداع الأخير .

" لتوفير الفرسان وكل شيء … شكرًا لك، أيها اللورد هُكسلي."

'كل شيء'. في هذه الكلمة الواحدة، مرت مشاعر عديدة على وجه اللورد هُكسلي. وفي الخيار اللحظي الذي اتخذه، كان رده هو تحية مهذبة .

" … لقد كنتُ ممتنًا لك أيضًا طوال هذا الوقت."

ابتسمت أوليڤيا وأدارت ظهرها بعيدًا عن اللورد هُكسلي .

وبمجرد أن فتح إدوين باب العربة، اصطحبها إليها قائلاً : " كيف تشعرين ؟ هل ترغبين في جولة أخيرة حول القصر ؟ لقد قمتُ أنا بجولة بالفعل وأنا أنتظر ليڤ، وكان ذلك ممتعًا جدًا."

برقت عيناه الحمراوان بابتسامة ماكرة .

" … هذا الشعور بأن لا أحد يستطيع إيقافي هنا، في هذا القصر الخانق."

كان صوته الذي يمزج المزاح بالجد غريبًا، يصعب فهمه. حدقت أوليڤيا بالقصر وكأنها تفكر للحظة، ثم هزت رأسها بابتسامة خافتة .

" … أظن أنني ودّعتُ هذا القصر أكثر من اللازم."

لذلك، كانت تحية واحدة كافية بالنسبة لها .

إجلالاً للأيام التي مضت، و تطلعًا للأيام القادمة … وداعًا .

ابتسمت أوليڤيا ابتسامة عريضة . يبدو أن صوتها، الذي ظنت أنه ابتلع بضجيج العربة التي بدأت تتحرك، قد وصل بوضوح إلى إدوين .

بدأت شفتاه الحمراوان ترسمان قوسًا ناعمًا . عيناه، التي تحمل إغراءً خفيفًا، بدأت تميل تدريجيًا نحو أوليڤيا.

في لحظة ما، أصبح نبضها المتسارع أسرع تدريجيًا، وكان الإحساس على شفتيها حذرًا ومثيرًا في آن واحد .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

طلبت أوليڤيا مقابلة خاصة مع والده … هل كانت هذه إشارة إيجابية أم سلبية ؟

بعد توقيع وثيقة التفاوض، ركض كونراد مسرعًا باتجاه مكتب عمل والده .

كانت أنفاسه تتسارع، لكنه لم يستطع التوقف .

ربما، ربما … كان توقعه الذي لا حدود له يتضخم باستمرار، معذباً إياه … لكن عندما وصل إلى الردهة التي تضم مكتب العمل، لم يجد سوى جايد يقف عند مدخل المبنى .

" أولـ، أوليڤيا ؟ "

في سؤاله الممزوج بالأنفاس الخشنة، استدار جايد ببطء . في ضوء القمر، كانت ملامح وجهه الباهتة تبعث قلقًا في قلب كونراد.

لكن كونراد تجاهله وسأل مرة أخرى : " ألم تخرج بعد ؟ هل هي داخل المكتب ؟ "

لا يمكن أن تكون قد غادرت. لقد استدعت جايد سابقًا، وعقدت لقاءً خاصًا مع والده، على الأقل … على الأقل ستأتي فرصتي …

" أخي."

" تحدث."

" على ما يبدو، لقد انتهى الأمر."

" ماذا تعني بـ …… ! "

توقفت عينا كونراد، الذي كان يهز رأسه بتعجل، على وجه جايد الذي ابتسم بمرارة .

في اللحظة التي رأى فيها أخاه يبتسم بحزن بدلاً من أن يكون غاضبًا أو حانقًا، أغلق شفتيه ببطء .

كان عليه أن يعترف، بأن أوليڤيا قد غادرت .

شعر وكأن شخصًا لكمه على مؤخرة رأسه، بدوار خفيف. رمش كونراد بعينيه ببطء .

سبب عدم نطقه بكلمات ضعيفة مثل : لماذا لم تطلب رؤيتي بمفردي ؟ لماذا لم تمنحني حتى وقتًا لأعتذر ؟

كان بسيطًا : لأنه لا يملك هذا الحق. تمامًا كما سلب هو بتهور حق أوليڤيا في الانتماء للعائلة .

أومأ كونراد برأسه إلى الأسفل ببطء. وبينما كانت عيناه بلون الجمشت تفقدان بريقهما، نظر جايد بتفحص نحو الاتجاه الذي ابتعدت فيه العربة .

شخص غريب لا مبالي. لا شيء أكثر ولا أقل من ذلك، مجرد نظرة بسيطة. هذه هي العلاقة التي أرادت أوليڤيا أن تكون بيننا .

كانت آثار مرور عجلات العربة واضحة. من المؤكد أن الخطين المتوازيين لن يلتقيا أبدًا حتى نهاية الطريق .

في تلك اللحظة، هبت ريح خفيفة مثيرة سحابة من الغبار . كان الغبار الذي يدور في بصره الضبابي يشبه ضوء القمر الخافت .

تذكر جايد فجأة، وبشكل غير متوقع، قصة مصورة كان قد رسمها منذ زمن بعيد .

" هنا ! لقد كتبت لكما قصة خيالية، استغرقت مني أسبوعًا كاملاً ! "

القصة الخيالية التي رسمها جايد، في الثامنة من عمره، بجهد على كراسة الرسم .

" هذه إيسيلا، أميرة الجمشت، وهذه أوليڤيا … أوليڤيا هي أميرة الزمرد."

عند التفكير في الأمر لاحقًا، لم يكن في القصة التي كتبها بجد لمدة أسبوع سوى أوليڤيا و إيسيلا .

القصة التي لم يتمكن من قراءتها أبداً، لأن أوليڤيا بدأت بالبكاء فجأة، ثم وصلت أخبار وفاة والدته .

بشكل غريب، وجد جايد نفسه يفكر في الفقرة الأخيرة من تلك القصة الخيالية المنسية تمامًا . 

— عاشت أميرة الزمرد و أميرة الجمشت بسعادة أبدية، تتجولان على ضوء القمر وضوء النجوم .

تمنى أن يكون الأمر كذلك حقًا .

الهدايا العديدة المتراكمة في غرفته فقدت الآن وجهتها بالكامل، وأصبحت علاقتهما بلا عودة كجسر مقطوع .

لكنه تمنى أن تسير أميرة الزمرد، ذات العيون الخضراء اللامعة، على طريق جميل كضوء القمر و النجوم، و تعيش بسعادة أبدية .

وداعًا … يا أميرة الزمرد .

ثم تردد جايد للحظة، لأن الكلمة التي كبتها في أعماق قلبه كانت لاذعة و مؤلمة، ولرغبته في النطق بها ولو لمرة واحدة . حرك جايد شفتيه بهدوء شديد حتى أن ضوء القمر لم يستطع سماعه .

وداعًا … يا أختي الصغيرة .

— الصورة التوضيحية : هـنـا .

ابتسامة حزن شقت شفتيه .

كانت تلك الليلة، ليلة كان القمر فيها يتلألأ بشكل لافت للنظر. نجوم لامعة زينت السماء حالكة السواد، تاركةً وراءها آثارًا طويلة.

كانت ليلة مثالية لانتشار الشائعات التي تجتاح العاصمة فوق سماء الليل الصاخبة .

" يا إلهي، نصف الإمبراطورية انتقل إلى ڤيكاندر، ماذا سيحدث لنا الآن ؟ "

" يا إلهي، لو كنت أعلم أن هذا سيحدث، لتسللتُ بطريقة ما إلى داخل قصر الدوق الأكبر بالأمس، بدلاً من العودة مباشرة، يبدو أن عائلة الدوق مادلين تمكنت بطريقة ما من التمسك بآخر خيط."

كانت الشائعات التي هي فوضى للبعض .

" على أية حال، الدوق إلكين في ورطة كبيرة."

" لا، سمو الأميرة هي التي في ورطة كبيرة، لقد فاتها أوان الزواج، والآن أصبحت مفلسة بلا مهر، ألم تتنازل الإمبراطورية عن معظم أراضيها لصالح ڤيكاندر ؟ العائلة المالكة في ضائقة مالية شديدة."

وبالنسبة للبعض الآخر، كان الأمر مجرد تسلية .

" آآه … ! أمي ! يا جلالة الإمبراطور ! ماذا أفعل الآن حقًا ؟ أرجوكِ أخبري خالي أن يساعدني ! أرجوكِ ! "

" أيتها الأميرة ! في مثل هذه الأوقات يجب التزام الوقار … ! "

" أمي، ما فائدة الوقار الآن ؟ أنا على وشك أن أصبح مفلسة ! لن يتقدم أي شخص للزواج مني ! "

وبالنسبة لشخص آخر، كان خوفًا من الدمار، لكن المهم هو ……

" لا يوجد اعتراض من أي شخص على أن الآنسة ستصبح مالكة الأراضي الاثنتي عشرة."

لكنها لم تحصل حتى على قسم الولاء من ممثلي الأراضي بعد .

ابتسمت أوليڤيا بخجل وهي تنظر إلى الدوق كيوال. خلفه، كان وفود من مختلف الدول، بالإضافة إلى وفد هڤرتي، تهز رؤوسها موافقة .

لم يخفي الضيوف الذين زاروا قصر الدوق الأكبر منذ الصباح الباكر نيتهم في إقامة علاقات ودية مع ڤيكاندر الصاعدة، متذرعين بالشكر على العودة سالمين .

كان الدوق كيوال من هڤرتي هو الرائد بلا منازع. لم يستطع إخفاء أسفه أمام أتباعه .

" … أشعر بالأسف الشديد لعدم قدرتي على حضور حفل التنصيب بسبب عودتي إلى هڤرتي، آمل أن أحظى بشرف تلقي دعوة لحفل زفافكما في المستقبل."

" بالتأكيد، أليست هڤرتي هي الدولة الصديقة الأولى التي طلبت التحالف مع ڤيكاندر ؟ "

تحوّل جو الأمل السائد في الوفد فجأةً إلى أجواء من التفاؤل عند سماع صوت الدوق الأكبر السابق : " … بالطبع، تمامًا مثل الجميع هنا."

عند هذه الإضافة، انفجر الجميع في ضحكات عالية. لفتت بلاغة الرجل انتباه الوفد، مما جعل من الصعب تصديق أنه كان في غيبوبة عميقة لمدة أحد عشر عامًا. راقبتهم أوليڤيا باهتمام .

" أوليڤيا، هل تبحثين عن أحد ؟ "

ارتفعت زاوية فم إدوين ببطء، وهو يعد بهدوء عدد أعضاء الوفود .

" بالمناسبة، لا نرى وفد مملكة أوسلان."

" آه، هذا …… "

أغلق الدوق كيوال شفتيه للحظة. كان الترقب الخافت في عيني القديسة التي كانت تنظر إليه يشير إلى نوع الإجابة التي تتوقعها .

لو كانت الشائعات التي اجتاحت الإمبراطورية سابقًا صحيحة، لما كانت ماريا تيفيلس تحمل سوى الضغينة، ناهيك عن الصداقة، ولكنه تذكر المظهر الذي استخدمته لخداع ولي العهد و إذلاله هذه المرة …

" هاه، ماذا أفعل ؟ "

كان هذا عندما تمتم الدوق كيوال .

" لقد أبحرت سفينة مملكة أوسلان في وقت مبكر جدًا هذا الصباح ! "

بينما كان أحد مبعوثي مملكة أخرى يصرخ بصوت عالٍ، سعيدًا بوجود فرصة للمشاركة في الحديث .

في تلك اللحظة، رأى الدوق كيوال بوضوح : " … يا للعار، كنت أرغب في تقديم هدية واحدة على الأقل."

هل القديسة، يمكنها أن تتخذ مثل هذا الوجه ؟

انحنت شفتاها الحمراوين، وكان صوتها الهادئ المتمتم آسرًا. لكن الدوق كيوال انحنى مباشرة مع هذا التفكير، لأنه كان يطمح أكثر من أي شخص آخر للعلاقة الوثيقة مع ڤيكاندر .

" آه، هل يمكنكم إيصال رسالة واحدة في طريقكم ؟ كما ترون، هناك الكثير من الناس أمام القصر."

" سيكون شرفًا لي إذا استطعت المساعدة."

إذن، فقط هذا القدر . علاقة يتم فيها تبادل المساعدة بشكل مناسب .

ابتسم ابتسامة معتدلة تحت الضغط الثقيل الذي كان يسيطر عليه، ثم ألقى نظرة خاطفة على المرسل إليه في ظرف الرسالة الذي قدمته القديسة .

— إيسيلا مادلين .

لقد علم أن الصلة قد انقطعت مع عائلة الدوق مادلين بالتأكيد … عندما كان الدوق كيوال على وشك أن يحرك شفتيه بلا وعي، رفع نظارته أحادية العدسة، ثم نظر إلى خارج البوابة الكبيرة حيث كان النبلاء متجمعين .

" نعم، هناك الكثير من الناس حقًا، متى تخططون للمغادرة ؟ "

" … عندما نكون مستعدين ؟ "

نظرة إدوين، الذي أجاب ببرود، اتجهت ببطء نحو سوبيل و بيثاني .

أكد سوبيل : " أعتقد أن الأمر سيستغرق حوالي ثلاثة أيام."

ثلاثة أيام ؟ النبلاء الذين يقفون أمام البوابة الأمامية سيكونون هناك حتى بعد ثلاثة أيام أيضًا .

أمال الدوق كيوال رأسه بحيرة للحظة. لم يفهم الدوق كيوال قصد إدوين إلا بعد بضعة أيام، من خلال الصحف .

****************************

*

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم

اعلان