الفصل ٥٠ : ‏Do Your Best to Regret

{ ما يخفيه من يُظهر العداء }


في غرفة طعام قصر الدوق الأكبر، كانت أشعة الشمس الصباحية المشرقة تتسلل .

لقد حان وقت انتهاء الإفطار، لكن الخدم الواقفين على طول الجدران كانوا يبتسمون بصمت وهم يخفضون رؤوسهم، و يميلون بآذانهم لالتقاط الحديث .

" أخبرتك أنني نمتُ جيدًا الليلة الماضية "

تحدثت سيدتهم الشابة، وهي تنظر إلى البعيد، وكأنها تختلق الأعذار .

وعلى النقيض … " لكنني تلقيتُ تقريرًا يفيد بأنكِ زرتِ المكتبة في وقت متأخر من الليل، أليس كذلك ؟ "

يقول الدوق الأكبر بلطف في حديث يبدو وكأنه توبيخ لطيف .

منذ وصول الآنسة النبيلة إلى إقطاعية ڤيكاندر، هكذا تبدأ صباحاتهم .

في معظم الأحيان، كانت الآنسة تحقق ما تريده بابتسامة مشرقة، لكن في بعض الأحيان النادرة، مثل اليوم، كان الدوق الأكبر يفوز .

مرّت نظرة خجولة على وجه الآنسة .

" … ذهبتُ لأحضر كتابًا لأقرأه في الصباح "

ابتسمت أوليڤيا بخجل وهي تبرر بعذر ضعيف حتى لنفسها . حاولت أن تبدو جميلة قدر الإمكان بينما تبتسم . بدأ وجه إدوين الصارم يلين تدريجيًا وكأنه لا يستطيع المقاومة .

" … هل تفعلين ذلك عمدًا ؟ "

" ماذا ؟ "

" أتعلمين أنني أضعف عندما تفعلين ذلك ؟ "

" بالتأكيد أعرف، لذلك أفعل ذلك."

أجابت أوليڤيا بوقاحة . في تلك اللحظة، ارتفعت زاوية فم إدوين ببطء .

" إذن، هل تعرفين هذا أيضًا ؟ "

" ماذا ؟ "

" كلما فعلتِ ذلك يا أوليڤيا، أشعر وكأنني سمكة محاصرة، و أتوق إلى المودة "

أشار إدوين بعينيه الغارقتين نحو معصم أوليڤيا. فجأة، شعر معصمها الداخلي بحرارة شديدة وكأنه احترق، و نبض قلبها بشدة عند تذكر لمس شفتيه لمعصمها .

كيف ! كيف يمكنه أن يقول مثل هذا الكلام في مكان مليء بالناس هكذا ؟

لحسن الحظ، كانت هي الوحيدة في هذه الغرفة التي تستطيع فهم كلامه .

بينما ارتعشت شفتا أوليڤيا من الحرج، خطر ببالها فجأة أن هذه الكلمات كانت كسر لطيف بينهما لا يعرفه أحد سواهما .

احمرت وجنتا أوليڤيا الخوخيتان. لا ينبغي أن تشعر بالإثارة من هذا . تعمدت التحديق في إدوين و نهضت من مقعدها، بينما امتلأت عينا إدوين بالضحك .

" إلى أين أنتِ ذاهبة ؟ "

" لآخذ قيلولة."

كان الوقت مبكرًا جدًا للقيلولة، لكن إدوين لم يعلق عمدًا .

لو أن الآنسة التي تهرب كالأرنب نظرت إليه بغضب مرة أخرى، لكان قد راودته رغبة مفاجئة في اللحاق بها بسبب لطافتها .

بدلاً من ذلك، لعق إدوين شفتيه وهو ينظر إلى ظهر أوليڤيا . اتسعت حافة فستانها الجميل كالوردة .

منذ فترة، أصبحت ألوان فساتين أوليڤيا أكثر تنوعًا . كما أصبحت الزينة التي تضعها في شعرها أكثر تنوعًا أيضًا . عرف إدوين أفضل من أي شخص آخر أن كل ذلك كان من براعة بيثاني .

" هل تحتاجين مرافقة ؟ "

" لا أحتاج ذلك ! "

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

" لماذا تستمر في التذمر ؟ ماذا ستفعل إذا غضبت الآنسة حقًا ؟ "

" أنا على وشك الغضب الآن."

تنهد إدوين تنهيدة عميقة عند كلمات هوارد، ثم قبض على قبضته و فتحها تحت مفرش الطاولة .

كان من غير العدل أن تهرب هكذا في كل مرة يعبث معها بحب .

نظر إدوين إلى المكان الذي كانت أوليڤيا تجلس فيه . ابتسمت الآنسة بخجل، فبلع إدوين ريقه .

" … ومع ذلك، لقد أصبحت الآنسة أكثر إشراقًا، اليوم، تناولت قطعة من حلوى الميرانغ أيضًا."

" حقًا ؟ "

عند كلمات هوارد، نظر إدوين أيضًا إلى طبق أوليڤيا. في اليوم الذي كانت فيه مريضة، تأثر بكلماتها التي تقول إن الحلويات ستجعلها سمينة .

لقد آلم قلبه عندما رأى محاولاتها لتجنب الحلويات التي كان يحضرها لها عمدًا، لكن اليوم، كانت قطعة واحدة من حلوى الميرانغ مفقودة من طبقها .

" لن أبكي، لذا، ابتسم معي "

على الرغم من أنه عرف أن لديها شخصية قوية و شجاعة في الأصل، إلا أنه لم يتوقع أن تتفتح هكذا في فترة قصيرة .

انبطح إدوين على الطاولة دون مراعاة لوقاره .

هذه الآنسة البريئة تحمر وجنتيها لمجرد قبلة على المعصم .

وهو، إدوين، يزداد تعطشًا لأوليڤيا. لتلك الرائحة الحلوة، ولتلك العيون التي تنحني عند الضحك، ولتلك العيون الخضراء التي تنظر إليه مباشرة .

لا … بل لأوليڤيا نفسها .

مشاعره التي لا يمكن السيطرة عليها كانت تتسرب باستمرار، لكنه سينتظر . لأنه أراد أن يكون الرجل الأنسب لأوليڤيا أكثر من أي شخص آخر .

ابتلع إدوين ريقه مرة أخرى، ثم نهض فجأة من مكانه .

" لنذهب للتدريب "

في مثل هذه الأوقات، كان الانضباط العقلي هو الأفضل .

تغير وجه هوارد الهادئ قليلاً جدًا .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

" ألا تشعر بشيء ؟ "

قالت بيثاني لـ ديان ببطء وهي تشاهد أوليڤيا تصعد الدرج .

" …… لا "

أجاب ديان ببرود، لكن عينيه البنيتين كانتا ترتعشان قليلاً .

بدأ الأمر منذ الأمس في حي يينيف. اهتمام الآنسة الغريب بحي يينيف كان مختلفًا عن الصورة التي كان ديان يتخيلها عنها .

حتى أن الآنسة النبيلة كانت تحاول تولي مسؤولية إعادة تنظيم حي يينيف، وهو أدنى مكان في ڤيكاندر .

ما الذي تخطط له ؟

وبينما كان يتساءل، كانت عيناها الحمراوان المنتفختان اللتان رآهما بالأمس تخطران على باله باستمرار .

في النهاية، حك ديان رأسه بقوة . لم يكن يعرف لماذا هذه الأميرة المتعجرفة، التي يتبعها الكثير من الشائعات، تسبب له هذا القدر من الارتباك .

" بالتأكيد، ليس لديك قمل في رأسك، أليس كذلك ؟ "

ارتجف جسد ديان غريزيًا عند سماع الصوت المصحوب بضحكة خاملة . كان الدوق الأكبر .

سارع ديان لتحيته : " أحيي سمو الدوق الأكبر "

الدوق الأكبر الذي لطالما أحترمه . أعاد بناء عائلة كانت على وشك الانهيار لتصبح مزدهرة و قوية. والأهم من ذلك، كان منقذ حياته الذي أنقذه من الموت تقريبًا .

لذلك، كانت عينا ديان تتلألأن دائمًا بشدة أمام الدوق الأكبر، وكأنه يرغب في أن يصبح مثله تمامًا، لكن ديان اليوم كان يشعر بعدم الارتياح، و استمر في الانكماش .

شعر بالضيق في داخله وكأنه ابتلع بطاطا ساخنة، وفي النهاية تنهد ديان وأخفض رأسه .

" … أنا آسف، يا صاحب السمو."

" لماذا ؟ "

" … تجرأتُ، و بحكمي الخاص، على إظهار عدم الولاء للآنسة التي أقسمت لها الولاء يا صاحب السمو."

في ڤيكاندر، حيث تسود قوانين صارمة أكثر من أي مكان آخر، كان اعتراضه على الأميرة التي ستصبح الدوقة الكبرى أمرًا لا يمكن تصوره .

لذلك، ظل يتجنب الدوق الأكبر. كان ديان يضبط أنفاسه المرتعشة و ينتظر العقوبة التي سيفرضها الدوق الأكبر .

" … لا أعرف شيئًا عن ذلك ؟ "

" ماذا ؟ "

رفع رأسه الذي كان منخفضًا فجأة . ابتسم الدوق الأكبر ابتسامة غامضة وهز كتفه .

" لقد طلبت مني آنستي أن أسمح لها بالتأكد مما إذا كانوا الناس يرحبون بها أم لا عندما تزور إقطاعية ڤيكاندر "

" …… "

" لذلك، أنا أراقب الآن، قرار عقوبتك يعود إلى أوليڤيا."

تداخلت أفكار ديان ككرة من الخيوط المتشابكة . كانت الشائعات تقول بوضوح إن الأميرة متعجرفة و متغطرسة . ولو أخبرت الدوق الأكبر، لكان حل المشكلة بسهولة .

لماذا تتصرف هذه الآنسة دائمًا بشكل مختلف عن الشائعات المنتشرة وعما يعتقده ؟

" بدلاً من ذلك، لنذهب للتدريب."

" … ماذا ؟ "

فجأة، تحرك جسد ديان بصرير كالباب الذي لم يتم تزييته .

ابتسم الدوق الأكبر بجماله المشرق و لف ذراعه حول عنق ديان .

" أنا متعطش للمبارزة الآن، لذا هذا جيد، سيكون ديان خصمي "

يمكن لأي شخص أن يدرك أن هناك مشاعر عميقة تختبئ تحت صوته الهادئ .

نظر ديان حوله بسرعة، لكن الخدم، وحتى الفرسان، تجنبوا نظراته .

بطل الحرب، و سيد الشمال القاسي، و القاتل الشيطاني .

عرف ديان، الذي كان يراه عن قرب، مدى قسوة الدوق الأكبر على الرغم من وجهه الجميل الذي يكاد يقطع الأنفاس . إذا سحبه الدوق الأكبر هكذا، فسيتعين عليه خدمة الأميرة و الذهاب إلى حي يينيف وهو ممزق .

فجأة، التقت عيناه مع هوارد . قال هوارد لديان الذي كان على وشك طلب المساعدة، بتحريك شفتيه :

' لن يذهب الأمر بعيدًا '

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

صعدت أوليڤيا إلى غرفتها و جلست أمام المكتب. كانت تهوي على خديها المحمرتين و تنظر إلى الباب المغلق .

" إنه يمزح دائمًا بهذه الطريقة "

بالضبط، كانت تشير إلى إدوين الذي لا يمكن رؤيته .

مجرد نطق اسم إدوين جعل عيني أوليڤيا تتسع بشكل دائري .

كان كل ذلك بسبب اسم إدوين، حتى نطقه كان جميلاً و متألقًا .

هزت رأسها وهي تخرج دفتر يومياتها من الدرج . كان دفتر يوميات اشترته لها هانا عندما كانت في قصر الدوق الأكبر بالعاصمة .

— لم أفعل شيئًا .

ابتسمت أوليڤيا ابتسامة خافتة عند رؤية الكتابة بمجرد قلب الصفحة الأولى . كلما نظرت إلى الكتابة المتناثرة بشكل عشوائي، تذكرت بوضوح اليوم الذي محت فيه مادلين .

حتى وهي تتذكر ذلك اليوم، أصبحت أوليڤيا قادرة على الابتسام الآن، لأن دفتر يومياتها الجديد كان مليئًا بالأشياء الجيدة فقط .

— أستطيع أن أجعل قلب السير ديان سيزيلين يميل إليّ .

— عيناي جميلتان بشكل خاص، وأنا أيضًا أعتقد ذلك .

— أستطيع أن أجعل حي يينيف المكان الذي يريده الأطفال، سيُدرج اسمي في هذه الخطة . سأتمكن من القيام بذلك جيدًا .

لم تعد اليوميات مجرد تعهد يقيد أوليڤيا . بل كان مليئًا بالأمل لنفسها . رأت أوليڤيا، التي كانت تبتسم بسعادة، جملة غير مكتملة في اليوميات .

— و يمكنني أن أخبر إدوين …

مررت أوليڤيا أصابعها على الكلمات بهدوء . شعرت بملمس الورق الذي ضغطه رأس القلم، ثم رفعت القلم بهدوء .

حيث مر صوت الخربشة، زادت جملة أخرى .

— سأخبره بعد أن أنتهي من كتابة خطة حي يينيف .

" … سأفعل "

اتسعت عينا أوليڤيا من الصدق الذي تسرب منها دون وعي، و غطت فمها و نظرت حولها في الغرفة .

احمر وجهها بالكامل وهي تتأكد من أن الغرفة فارغة .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

في أرض خالية تقع على مسافة قصيرة من مدخل حي يينيف .

" هل تعتقدين أن هذا الحي يينيف يحتاج إلى شيء مميز ؟ "

— يمكنني أن أجعل قلب السير ديان سيزيلين يميل إليّ .

هل يجب أن أمحو تلك الجملة ؟

فكرت أوليڤيا للحظة، مسترجعة يومياتها، عند صوت ديان الغاضب .

ديان، الذي كان يدعي أنه يعرف حي يينيف أفضل من أي شخص آخر، كان يعترض على خطط أوليڤيا في كل شيء .

"إذن، هل تعتقد أيها السير أنه من الأفضل أن يبقى حي يينيف على حاله؟"

" لا، لست متأكدًا."

من طريقة إجابته المترددة التي لا تقدم إجابة واضحة، بدا الأمر وكأنه يتحدث فقط لأنه لا يحبها .

في النهاية، تنهدت أوليڤيا بخفة، وقامت بمدّ جسدها و واجهت ديان. انكمش ديان للحظة، ثم واجه أوليڤيا بنظرة غاضبة .

" يا سير، أنت تظهر بوضوح أنك لا تحبني."

" … أنا آسف إذا شعرتِ بذلك."

" إذا كنتُ أزعجك كثيرًا، فلنقم بتغيير الفارس المرافق أولاً، يجب أن أنظم حي يينيف هذا بسرعة."

كانت تريد أن تفعل ذلك لتستطيع التحدث إلى إدوين بجرأة أكبر، لكن ديان، الذي لم يفهم قصدها، قال بوجه غاضب :

" لهذا السبب ! لماذا تهتم الآنسة النبيلة بحي يينيف هذا، الذي لا تعرف عنه شيئًا … آه ! "

ثم أمسك فجأة عينه اليمنى .

نظرت أوليڤيا، التي كانت في مواجهة معه، إليه بقلق بسبب مظهره المتألم، ثم اتسعت عيناها .

" يا سير، هل ترتدي عدسات لاصقة ؟ "

— الصورة التوضيحية : هـنـا .

تحت عيني ديان البنيتين، ظهرت قزحية خضراء فاتحة .

كانت منتشرة في العاصمة ذات مرة . العدسات الملونة التي تجعل لون العين يبدو مختلفًا .

عض ديان شفتيه عند الحقيقة التي أدركتها أوليڤيا .

كان تعبيره بائسًا وكأنه كشف عن شيء لم يكن يرغب أبدًا في كشفه .

****************************

1 تعليقات

إرسال تعليق
أحدث أقدم

اعلان