الفصل ٧٥ : ‏Do Your Best to Regret

{ أوليڤيا البالغة من العمر ست سنوات، و أوليڤيا البالغة من العمر عشرين عامًا }


سارع كونراد إلى تقليب الصفحة .

— آداب تناول الطعام لم تكن أنيقة، قال والدي أنني أفسدت شهيته .
يجب ألا تفعلي ذلك أبدًا، دعينا نستمر في التفكير يا أوليڤيا، لا ترتكبي الأخطاء و استمري في بذل قصارى جهدك .

كانت الصفحة التالية، و التي تليها، تحمل محتوى مشابهًا. كان كل شيء يتعلق بلوم نفسها بسبب توبيخ عائلتها .

ظهر اسم كونراد عدة مرات. كانت الأحداث التي لم يتذكرها على الإطلاق مكتوبة بتفصيل، ثم كانت الكلمات التي تلت هي نفسها .

— لن أفعل ذلك مجددًا أبدًا . أوليڤيا، لا ترتكبي الأخطاء، و استمري في بذل قصارى جهدك .

ارتجفت يد كونراد بشدة. كان هناك خمسة دفاتر متشابهة. هل يعني ذلك أن كل المحتوى كان على هذا النحو ؟

" ماذا … "

أسقط كونراد المذكرات دون أن يُدرك . سقطت المذكرات على المكتب و انقلبت، ففتحت الصفحة الأولى . كانت الحروف باهتة و ملطخة في عدة أماكن، و خطها كان سيئًا للغاية، لكن كونراد لم يستطع أن يقول إن الخط كان سيئًا .

— ربما، مجرد وجودي هنا …

ذلك لأن الجمل المكتوبة بعد ذلك انغرست في عينيه بشكل طبيعي كالتنفس .

— إذا كتبتها، يمكنني حفظها. قال أخي كونراد ذلك. قال أنه يمكنني حفظها بكتابتها.
أوليڤيا، يمكنك فعل ذلك .

عض كونراد شفتيه دون وعي، ثم بحث في ذاكرته. لم يسبق له أن قال شيئًا لطيفًا لأوليڤيا بهذه الطريقة .

عندما كان صغيرًا، كان دائمًا يغضب و يلعنها، وعندما كبر، كان يتجاهلها .

ظهرت صورة فتاة صغيرة في ذهنه كبقايا باهتة. وفي الوقت نفسه، دوى صوت صرخات حادة في أذنيه .

" هذا بسببك ! إذا لم تفهمي، اكتبيها و احفظيها ! هذا بسببك ! ابقي بعيدة عن الأنظار و عيشي في الظل ! "

كلما علا الصوت في ذاكرته، اتسعت عينا كونراد، و ارتجفت يداه .

لقد تذكر نفسه في الثانية عشرة من عمره، يصرخ و يلوم أوليڤيا.

" … أنا آسفة يا أخي "

أوليڤيا في السادسة من عمرها، تخفض رأسها بهدوء وهي تستمع إلى تلك الصرخات. عندما قابلتني عيناها الغارقتان. حبس كونراد أنفاسه للحظة .

الكارثة التي كرهها طوال حياته . الخطيئة التي تسببت في موت والدته و جعلت هذا المنزل كئيبًا . لقد نسي ذلك … في ذلك الوقت، كانت أوليڤيا في السادسة من عمرها فقط .

طفلة في السادسة من عمرها، تكتب بخط متعرج كهذا . تلك الفتاة الصغيرة التي كانت تتبعني بعيون مليئة بالإعجاب. الطفلة التي كانت تتبع عائلتها بعينين خضراوتين متلهفتين .

اهتزت عينا كونراد، وهو لا يعلم ماذا يفعل . استمر في النظر إلى مكان آخر وكأنه يريد الهروب، ثم تجمد كالثلج .

بالصدفة، تحول نظره إلى رأس السرير. كان هناك أرنب صغير. أرنب بدا من النظرة الأولى وكأن صاحبه يعتز به. كان يختلف فقط في الحجم عن أرنب كان جايد قد أهداه لـإيسيلا عندما كانت طفلة .

تذكر أن إيسيلا كانت قد تخلصت من الدمية قبل بضع سنوات، وفي الوقت نفسه، انتابه شعور قاسٍ و مروع .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

بعد قرار الدوق الأكبر و الآنسة بالسفر إلى العاصمة، عمت الفوضى أرجاء قصر الدوق الأكبر .

" كم مضى على مجيئها حتى تغادر فجأة إلى العاصمة هكذا … ! "

لم تكن المشكلة في حزم الأمتعة على عجل. بل إن الفرسان الذين أتموا للتو قسم الولاء للآنسة، بالإضافة إلى الموظفين المقربين و الخادمات، وحتى الخدم، كانوا يعبرون عن أسفهم في كل مرة يجتمعون فيها .

" حتى أنها ستغادر بهدوء فجر الغد، يا إلهي، تمنعنا حتى من توديعها."

كان الأمر كذلك في وقت متأخر من مساء اليوم السابق للمغادرة .

رمشت أوليڤيا للحظة عند سماع الأصوات المليئة بالأسف القادمة من الباب المفتوح للشرفة. كانت بيثاني، التي كانت تتفقد الأمتعة للمرة الأخيرة، تبدو مندهشة أيضًا .

سارعت خادمة إلى النافذة الكبيرة لإغلاق باب الشرفة. وفي هذه الأثناء، استمرت المحادثة بسرعة .

" على أي حال، القصر الإمبراطوري هو المشكلة، كيف يمكنهم استدعاء الآنسة المشغولة لأجل مأدبة ما دون أن يمنحوها قسطًا من الراحة."

" صحيح، لقد انتهت للتو من عملها في شارع جنيڤ و تنفست الصعداء "

" القصر الإمبراطوري لم يطلب من الآنسة العودة، أليس كذلك ؟ "

" بالمناسبة، ألم يقل اللورد كالتر أنه أعطاها دعوة ؟ "

كان الصوت يبدو وكأن ما جاء من القصر الإمبراطوري كان سمًا قاتلاً .

" هيه، صوتك مرتفع جدًا ! " أغلقت الخادمة الباب في نفس الوقت الذي قيلت فيه هذه الكلمات الموبخة.

ابتسمت الخادمة التي استدارت بحرج : " يبدو أن الجميع حزينون جدًا لذهاب الآنسة إلى العاصمة."

" صحيح، نحن أيضًا نريد حقًا توديعكِ "

كشفت إحدى الخادمات عن حزنها بخفة. رمشت الخادمات الأخريات بأعينهن وكأنهن يتفقن معها، لكن الآنسة لم تفعل شيئًا سوى الابتسام، ولم تغير رأيها .

كانت تعرف جيدًا رغبتها في مراعاة الخدم الذين سيكونون مشغولين في وقت مبكر من الصباح، لكن ذلك لم يزيل الحزن .

" بدلاً من التوديع، عندما تعود، سنرحب بها بشكل مضاعف "

اقترحت بيثاني حلاً جيدًا بلا مبالاة .

ترحيب مضاعف ؟ بينما كانت عيون الخادمات تتلألأ مرة أخرى، اقتربت بيثاني من أوليڤيا. من مجرد رؤية خطوتها، عرفت أوليڤيا أن توبيخ بيثاني سيبدأ مرة أخرى .

" لنترك التوديع جانبًا، يا آنسة، يجب عليكِ أن تأخذي كلامي على محمل الجد : العاصمة تحتاج دائمًا إلى أقصى درجات الحذر، مهما كنتِ مشغولة، يجب أن تأكلي طبقًا كاملاً، لقد كتبتُ رسالة إلى سوبيل أيضًا … "

" لقد أخذتُ كلامكِ على محمل الجد بشأن ارتداء جميع المجوهرات عند الذهاب إلى المأدبة يا بيثاني."

كانت قد سمعت هذه الكلمات أكثر من عشرين مرة، لكن بيثاني لم تبدو مرتاحة أبدًا، حتى مع الكلمات التي أصبحت تحفظها .

ابتسمت أوليڤيا ابتسامة عريضة و نظرت إلى الجميع في الغرفة. هؤلاء هم الأشخاص الذين كانوا يقلقون بشأن تغيير أماكن نومها عندما أعلنت أنها ستذهب إلى العاصمة .

" سأشتاق إليكم "

كانت جادة في كلامها. حتى لو ذهبت إلى قصر الدوق الأكبر بالعاصمة، فستلتقي بوجوه مرحبة مثل سوبيل، هانا، و مارثا، لكنها ستشتاق دائمًا إلى إقليم ڤيكاندر .

اقتربت بيثاني التي كانت تبدو حزينة و احتضنت أوليڤيا بقوة .

" العودة بسرعة هو الأفضل، ولكن …… "

صمتت بيثاني للحظة ثم واصلت : " … إذا احتجتِ أي شيء، فاكتبي لي رسالة في أي وقت، و سآتي إليكِ على الفور."

ابتسمت أوليڤيا ابتسامة عريضة وهي تحتضنها . بسبب ذلك، لم تعلم أوليڤيا.

أن الخادمات اللاتي سمعن كلمات بيثاني قد اتسعت أعينهن في نفس الوقت .

وأن كلمات بيثاني، التي لم تغادر إقليم ڤيكاندر قط منذ وفاة الدوقة الكبرى السابقة، كانت قرارًا عظيمًا .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

كان فجرًا حالك الظلام .

بدأ موكب العربات المصطفة أمام القلعة بالمغادرة .

لم يتمكن الخدم الذين لم يتمكنوا من عصيان الأوامر من التوديع عند المدخل، فقاموا بإضاءة الأنوار في غرفهم لتوديع موكب العربات .

كان قصر الدوق الأكبر مضاء بشكل ساطع في الظلام . داخل العربة الأمامية، لم ترفع أوليڤيا عينيها عن النافذة .

بالرغم من أنها طلبت منهم النوم و عدم توديعها . علمت أنها ستشتاق إليهم على الفور، فقلبها كان يخفق هكذا عندما غادرت قصر الدوق الأكبر في العاصمة .

مأدبة الصيف ستستمر أسبوعين على الأقل . وإذا أضفنا وقت الذهاب و الإياب، فسيستغرق شهرًا كاملاً تقريبًا. عندما حسبت الأيام، وجدت أنها فترة أطول مما توقعت .

تجمعت الدموع في عيون أوليڤيا قليلاً وهي تنظر إلى قصر الدوق الأكبر . توقفت العربة للحظة عند بوابة القلعة التي تفصل بين داخل قصر الدوق الأكبر و خارجه .

في العادة، لم تكن لتتوقف و ستغادر مباشرة، لكن اليوم كانت بوابة القلعة مغلقة بإحكام .

" كيف ذلك ؟ "

ضحكت أوليڤيا بخفة عندما سمعت الصوت اللطيف .

" هل نعيد العربة ؟ "

سأل إدوين بابتسامة عريضة. كانت تعرف جيدًا أن ما في داخله هو قلق، لذلك، حدقت أوليڤيا في إدوين بعينين جميلتين عمدًا .

" بالتأكيد لا، لقد حزمت أمتعة شهر كامل في يوم واحد."

" اعتقدت أن أوليڤيا تنظر إلى قصر الدوق الأكبر بعطفٍ شديد، فكدت أظن ذلك، بينما أنا هنا، من يجب أن تنظري إليه بتلك العينين."

لمس الصوت المتكاسل قلب أوليڤيا بلطف . تجنبت أوليڤيا النظر و تمتمت : " لكن، هذه المرة لم يكن هناك وقت لاستخدام البطاقة."

" لمن ؟ "

" ذلك … "

التفتت أوليڤيا لا إراديًا و نظرت إلى قصر الدوق الأكبر، لكن عندما نظرت إلى الأمام مرة أخرى .

يا إلهي ……

مع فتح بوابة القلعة، تلالأت أضواء صغيرة في الظلام . رمشت أوليڤيا وهي تتساءل ما هذا الضوء في هذا الفجر المظلم، ثم حدقت في الأمام بذهول .

كان هناك أناس يحملون أضواء صغيرة يقفون على مد البصر، و بدأت العربة في التحرك ببطء.

" لقد أخطأتِ يا أوليڤيا، قلتِ أنك طلبتِ من أهل قصر الدوق الأكبر ألا يودعوكِ فقط."

" … لكن، إنه فجر مبكر جدًا الآن."

لم تصدق عينيها. في اللحظة التي ظهرت فيها وجوه الناس بوضوح في الضوء، قبضت أوليڤيا قبضتها دون وعي .

تمتم صوت إدوين الممزوج بالضحك و التنهد .

" ربما تعلمين ذلك، لكن إن لم تكوني تعلمين، فاعلمي الآن، كم يحبكِ سكان ڤيكاندر و يعتزون بك."

لقد تحققت التوقعات الحلوة بشكل مؤلم . السعادة التي انهمرت بغزارة، حتى لو حاولت كبتها، لم تختفي و بقيت بجانب أوليڤيا.

الأضواء الساطعة لقصر الدوق الأكبر التي كانت تودعها، و الناس الواقفون في الشارع من الأطفال إلى الكبار، وحتى ذو العيون الخضراء . كان الناس الواقفون على جانبي الطريق يبتسمون بإشراق و يلوحون إلى العربة، أو بالأحرى إلى أوليڤيا.

هل يمكن أن ينبض قلبها بهذه السرعة ؟ ارتجفت أطراف أصابعها، فأمسكت يديها معًا .

— الصورة التوضيحية : هـنـا .

" أتمنى لكِ رحلة سعيدة يا آنسة "

بمجرد أن انطلق صوت شاب على الطريق الهادئ، انهمرت توديعات من كل حدب وصوب وكأنها كانت تنتظر .

" يجب أن تعودي بسرعة ! "

" عندما تعودين، تأكدي من زيارة متجرنا ! "

تحول هدوء الفجر إلى حيوية في إقليم ڤيكاندر، تمامًا كما كان الحال عندما استقبلوا أوليڤيا لأول مرة .

بعد أن كانت تلوح بيدها دون توقف نحو الخارج، تمتمت أوليڤيا بصوت خافت عندما وصلت إلى أسوار قلعة ڤيكاندر .

استمع إدوين الذي كان يركز كل حواسه على أوليڤيا، إلى الكلمة وفهم أنها "بطاقة"، فرفع حاجبيه، ثم ضحك من تذمرها الممزوج بالبكاء .

" من الجيد أنكِ لم تستخدميها، متى كنتِ ستستخدمينها مع كل هؤلاء الناس في ڤيكاندر ؟ "

في النهاية، غادرت العربة ڤيكاندر تمامًا عندما أشرقت الشمس .

" رحلة سعيدة ! "

كادت أوليڤيا أن تخرج من نافذة العربة على الصوت الذي دوى فوق الأسوار، لكنها تفاجأت .

" مهما كنتِ متلهفة، فإن الانحناء خارج العربة أمر خطير "

كان الصوت الذي دوى في أذنيها فاتنًا .

" كنتَ ستمسك بي، أليس كذلك يا إدوين ؟ "

" هل كنتِ تعلمين ذلك ؟ "

" بالطبع "

ارتخى تعبير عيني إدوين وكأنه يشعر بالرضا، و رفعت أوليڤيا كتفيها و ضحكت بخفة .

" ماذا ؟ "

" إنه أمر ممتع، أن أصدق أنك ستمسك بي إذا كدت أسقط، وأن أكون واثقة تمامًا من أنك ستجدني إذا ضللت طريقي، هذا تمامًا مثل …… "

… كان مثل والدتها . على وجه الدقة، شعرت وكأنه شخص يمكنها أن تثق به و تحبه بلا حدود. كان إدوين الآن شخصًا ذا أهمية كبيرة بالنسبة لها، تمامًا مثل والدتها .

في فكرة مفاجئة، أدركت أوليڤيا وجود سوار الخيط على كاحلها للحظة. بالمناسبة، كانت مشغولة جدًا بالعمل ولم تتمكن من إهداء إدوين سوار الخيط .

" تمامًا مثل ماذا ؟ "

" … مثل بيثاني ؟ إذا بقيت لفترة أطول قليلاً، فإنك قد …… "

تقوم بترتيب سريري ……

كانت أوليڤيا تنوي إضافة ذلك على سبيل الدعابة، لكن كلماتها بدت وكأنها تحمل جوًا غريبًا، فأغلقت فمها .

في الوقت نفسه، انفجر إدوين الذي كان ينظر إلى أوليڤيا بنظرة غير مفهومة في ضحكة قوية و أجاب : " ماذا تفعلين ؟ أحيانًا أشعر أن أوليڤيا فتاة على وشك الظهور الاجتماعي لأول مرة "

" يا إلهي …… "

توقفت أوليڤيا عن الكلام للحظة . على الرغم من أنها تعلم أنه يمزح، لكن كبرياءها جُرح بشكل غريب. لقد قبلها على خدها، و عانقها، بل وحتى طبع قبلة على معصمها .

على الرغم من أنها علمت معنى ذلك، إلا أن أوليڤيا انقادت لهذا التحدي الشبيه بالمزحة وكأنها مسحورة .

" هل تراني صغيرة إلى هذا الحد ؟ بالرغم من أنني أبلغ من العمر عشرين عامًا ؟ "

"حسنًا … "

تغيرت نظرة عيني إدوين، الذي كان يبتسم بلطف لتذمرها، إلى نظرة عميقة في لحظة، و ……

" ربما لأن عيناكِ تصبحان مثل عيني الأرنب في كل مرة أفعل ذلك ؟ "

شعرت بقلبها يدق بعنف في أذنيها .

— بادومب، بادومب .

سقط قلبها ثم ارتفع إلى السماء مرارًا وتكرارًا .

أصبحت الرؤية ضبابية بشكل لا يصدق، و كل ما رأته كان إدوين أمامها .

****************************

2 تعليقات

  1. غير معرف18 يوليو, 2025

    بجد تسلم ايدك الواحد متحمس اوي و الترجمه تحفة تحفة تحفة ♥️😭✨✨

    ردحذف
  2. يالله مرا تحمست للأحداث😣، يعطيك العافيه على تعبك

    ردحذف
إرسال تعليق
أحدث أقدم

اعلان