لم تستطع فهمه . لم تستطع فهم سبب تتبعه لها خلسة، ولم تستطع فهم كيف أن قائد فرسان المعبد لم يتمكن من تفادي سيفها .
كان هناك بالتأكيد وقت و مسافة كافيان لتفاديها . ومع ذلك، فقد وقف ببساطة هناك دون حراك .
لولا الحظ، لكان سيفها قد اخترق عنقه .
" هل أنت مجنون و تريد الموت ؟ لماذا لم تتجنب ذلك ؟ "
أخذ كاليب المنديل من يد سيرفيليا و ضغط به مباشرة على ذقنه . بدا عليه مظهر الملل، كما لو أنه لا يشعر بأي ألم على الإطلاق .
كانت عيناه رماديتين مقوّستين مثل آرتشي، لكن الأجواء المحيطة به كانت مختلفة تمامًا . إذا كانت عينا آرتشي مرحتين و حيويتين، مثل كرات قطنية صغيرة، فإن هذا الرجل كان أشبه بكتلة من الغبار الداكن مجتمعة معًا .
لم تكن هناك أي مشاعر في عينيه الفظتين .
" كنت أتساءل فقط عن مهارة الشخص الذي يصطحبه الدوق الأكبر بيرنز معه "
" ماذا تقصد بذلك ! ماذا لو مت وأنت تفعل ذلك ؟ "
"لم تكن مهاراتك جيدة لتلك الدرجة."
استدار فجأة و توجه خارج الغابة. تبعته سيرفيليا بخطوات متسارعة .
" انتظر، ماذا تقصد ؟ هل تقلل من شأن مهارتي ؟ على الرغم من أنني …. ! "
كنت نائبة قائد فرسان النظام الملكي …! لم تستطع قول ذلك. إذا فعلت ذلك، فسيكون ذلك بمثابة الكشف عن هويتها .
" …. إذن ما مدى جودة مهاراتك ؟! "
ألقت ببعض الكلمات العشوائية، لكن كاليب لم يكن يستمع على الإطلاق .
" يبدو بالتأكيد أن الدوق الأكبر بيرنز قد علمك جيدًا، سرعة إخراج السيف و حركاتك لا تشوبها شائبة، هذه ليست مهارات فارس مبتدئ "
نظر إلى سيفها بصمت . سارعت سيرفيليا إلى مسح السيف الملطخ بالدماء على ملابسها ثم وضعته في غمده .
" بالطبع، الوحوش لا تميز بين المستوى المبتدئ و المستوى الأعلى عند مهاجمتها، إذا كنت لا تريد أن تموت، عليك تحسين مهاراتك."
قدمت سيرفيليا تفسيرًا غامضًا . توقف نظر كاليب الذي كان يحدق بها عند سيفها . عبس قليلاً و سأل بنبرة مريبة.
"من أين حصلت على هذا السيف؟"
تراجعت سيرفيليا و أخفت السيف خلف ظهرها. هذا السيف هو هدية قدمها ليونارد لسيرفيليا احتفالاً بترقيتها إلى فارسة ذو رتبة عالية .
كان سيفًا أنيقًا غير مبهرج، ولكن إذا كان لدى المرء عين خبيرة، فسيلاحظ أنه ليس سيفًا عاديًا .
في هذه اللحظة، لم يكن هناك سوى عذر واحد .
" …. لقد أعطاني إياه سمو الدوق الأكبر كهدية "
" يبدو أن الدوق يقدرك كثيرًا، أن يهدي فارس مبتدئ سيفًا مصنوعًا من فولاذ ليفياثان "
" نعم، إنه يقدرني كثيرًا "
ضحكت سيرفيليا بخفة و وسعت خطواتها. كان كاليب يمشي بسرعة، وكان اللحاق به ليس بالأمر السهل .
" لماذا تهتم سموها بشخص مثلك …. "
شعرت سيرفيليا بالإهانة قليلاً بسبب نبرة الاستخفاف، لكنها كتمت غضبها .
"على أي حال، أنا آسف لتسببي في المتاعب عن غير قصد، على الرغم من أنه ليس خطأي."
"هذا صحيح، ليس خطأك."
رفع كاليب يده ليوقفها، كما لو لم يكن لديه أي نية لمواصلة المحادثة . لم يكن لدى سيرفيليا المزيد لتقوله أيضًا، لذلك صمتت .
خرجت سيرفيليا و كاليب من الغابة جنبًا إلى جنب و عادا نحو المخيم . ركض لوسيان، الذي كان بالقرب، مذعورًا .
" ما الذي حدث ؟ "
"لا شيء مهم."
تدخل كاليب للدفاع عنها، لكن لوسيان لم يكن يستمع . أمسك بيد سيرفيليا الملطخة بالدماء و سأل بقلق .
" ما هذا الدم ….؟ أين تأذيت ؟ "
" آه، هذا ليس دمي."
مسحت سيرفيليا الدم الذي على يدها بعباءتها بسرعة .
" اللورد كاليب ! ماذا حدث ؟ "
ركض رايفن، نائب قائد الفرسان المقدسين، على عجل و فحص جرح كاليب.
ضمت سيرفيليا شفتيها بإحكام و انتظرت العقاب الذي سيحل عليها . لم يكن لديها ما تقوله حتى لو تلقت الإهانات من فرسان المعبد، لكن كلمات غير متوقعة خرجت من فم كاليب.
"لقد خدشتني شجرة."
صُدمت سيرفيليا و اتسعت عيناها .
"ماذا ؟ لكن هذا ليس جرح خدش ! "
أطلق رايفن كلمات قلق، لكن كاليب نفض يده عنه و توجه نحو المعسكر . في نهاية خطواته، كانت تشاسترتي بالطبع .
دعم رايفن كاليب بوجه شاحب و أدخله إلى المعسكر . ظلت سيرفيليا تحدق في ظهر الشخصين لفترة طويلة .
' ما هي خطته بحق خالق الجحيم ؟ '
عندما تفرق المتفرجون، سحبها لوسيان إلى خلف شجرة كبيرة .
"ماذا حدث؟"
أخرج منديلاً وبدأ يمسح الدم المتناثر على وجهها بحذر .
" كنت أجمع أغصان الأشجار عندما ظهر هذا الرجل فجأة من الخلف، لقد هاجمته بالطبع …. ولهذا انتهى به الأمر هكذا."
"هل كان هذا الرجل يحاول فعل شيء غريب؟"
بدا عليه الانفعال وكأنه على وشك الانفجار في أي لحظة، لذا أمسكت سيرفيليا كتفه و هدّأته أولاً .
"لا تقلق، لو كان الأمر كذلك، لكان سيفي قد اخترق عنقه بالفعل."
تحدثت سيرفيليا بوحشية وهي تشير بيدها إلى حركة قطع العنق . كما لو أنه هدأ قليلاً من كلماتها، انخفض صوت لوسيان .
"طالما أنك بخير، فهذا يكفي، اغسلي يديكِ أولاً."
أخرج زجاجة ماء و صبها على يديها، ثم اقترح عليها الذهاب لتناول الطعام، لكن سيرفيليا رفضت .
"سأذهب لأرى ما إذا كان اللورد كاليب بخير."
"لماذا تفعلين ذلك؟"
"أنا إنسانة أيضًا، لدي بعض الضمير، ألم ترى الدم الذي كان ينزف قبل قليل؟"
على الرغم من أن عنقه كاد أن يطير، إلا أنه كان هادئًا بشكل مثير للدهشة .
"على أي حال، ستعالجه القديسة بالكامل، فما أهمية الأمر؟"
"هذا صحيح، ولكن … هناك شيء آخر يزعجني."
"ما هو؟"
" ذلك الرجل لم يتفادى سيفي عمدًا، قال أنه كان يحاول رؤية مهارتي، لكن هذه الكلمات تزعجني."
فتح لوسيان عينيه على اتساعهما عند هذه الكلمات، التي لم تكن تثير اهتمامه من قبل . خفض صوته وسأل بهدوء.
" هل تعتقدين أنه أدرك شيئًا عنك يا أميرة ؟ "
"حسنًا، قد أبدو مثيرة للريبة، يجب أن أكون أكثر حذرًا في تصرفاتي."
بعد انتهاء محادثتها مع لوسيان، توجهت سيرفيليا نحو المعسكر حيث تجمع فرسان الشمال .
كان هناك فارس يتحدث بحماس، لكنه صمت عندما اكتشف وجودها . حتى فيليوس كان يضحك بصوت عالي، لكنه عبس فجأة .
عبست سيرفيليا بسبب الجو الذي تغير بمجرد ظهورها .
"هل كنتم تتحدثون عني بالسوء؟ لماذا توقفتم عن الكلام؟"
على الرغم من تذمرها الممزوج بالمزاح، إلا أنهم اكتفوا بالابتسام بشكل محرج ولم يردوا، ثم غادروا المكان بأسرع ما يمكن .
"لماذا يتجنبوني باستمرار؟"
كتمت سيرفيليا غضبها بينما كانت واقفة وحيدة .
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
انتهى فريق الرحلة من تنظيف موقع مخيمهم واستعدوا للمغادرة .
"سيل، تعال إلى هنا."
بينما كانت سيرفيليا تمشط جسد هايزل البني اللامع بجد، اقتربت تشاسترتي بحذر .
"ما الأمر؟"
" اترك الحصان لفارس آخر وتعال معي في العربة."
عندما استدارت، رأت كاليب في مقدمة المجموعة يتحدث مع لوسيان . يبدو أنه ليس لديه أي نية للاهتمام بهذا الأمر.
تبعت سيرفيليا تشاسترتي نحو صف الفرسان المقدسين .
"سموك؟"
" اصمت ! "
نظر الفارس ذو الشعر الكستنائي الذي تشاجر مع سيرفيليا من قبل إلى الاثنين بتعبير غير راضٍ.
رفعت سيرفيليا إصبعها نحوه و أشارت إليه بالإشارة إلى الصمت .
****************************
الفصل : ٨٩
أدار كاليب رأسه مرتين أو ثلاث مرات، لكن في كل مرة، اختبأت سيرفيليا بمهارة خلف فارس آخر ولم يتم الكشف عنها .
ثم فجأة، التقت عيناها مباشرة بعيني لوسيان، لكن سيرفيليا عبست ثم اختبأت بسرعة داخل العربة .
" آه، كم هي مريحة العربة "
في الأصل، لم تكن سيرفيليا تحب السفر بالعربة المهتزة و الصلبة، لكن بعد المعاناة على ظهر الحصان، شعرت وكأنها في الجنة .
اتكأت سيرفيليا على المقعد المريح وسألت : " ماذا تفعلين عادة في العربة ؟ يبدو الأمر مملاً بمفردكِ."
"عادة ما أصلي أو أقرأ الكتاب المقدس."
"وماذا عن الأوقات التي ليست عادية؟"
" آه …. "
ترددت تشاسترتي للحظة ثم أخرجت كومة من الورق من أسفل أرضية العربة . عندما فتحتها، كانت مليئة بالرسومات المرسومة بالفحم .
كانت معظم الرسومات لأزهار و أشجار، ولكن كانت هناك أيضًا صور للفرسان المقدسين، و رسومات لكاليب متناثرة هنا و هناك .
كانت مهارة كبيرة بالنسبة لرسومات مرسومة بشكل متقطع أثناء التنقل .
"أنتِ ترسمين بشكل جيد حقًا."
لم تستطع سيرفيليا، التي كانت تفتقر بشكل خاص إلى الموهبة في الفنون، إخفاء إعجابها.
"هل تعلمتِ هذا في المعبد الكبير؟"
"لا، لقد كنت أرسم بمفردي منذ أن كنت صغيرة، كلما سنحت لي الفرصة."
عندما قلبت بضع صفحات، بدأت تعابير وجه سيرفيليا تتصلب فجأة .
"هل هذا هو المعبد الكبير؟"
"نعم، إنها رسومات لغرفة صلاتي حيث أقيم معظم الوقت."
عشرات الرسومات كانت جميعها لنفس المنظر، و نفس الزاوية . بغض النظر عن عدد الصفحات التي قلبتها، كانت جميعها نفس الرسومات.
بمجرد النظر إلى الرسومات، شعرت بالاختناق كما لو كانت محبوسة في سجن .
"هذا هو كل ما أراه، إنه ممل، أليس كذلك؟"
عبثت تشاسترتي بأطراف أصابعها كما لو كانت محرجة . شعرت سيرفيليا بالشفقة عليها، لكنها لم تُظهر ذلك عن قصد . اكتفت بقلب الورق بصمت .
انطلق الموكب بلا توقف عبر الحقول الشاسعة. بسبب أن البشر لم يقوموا بلمسها لفترة طويلة، كانت الأدغال كثيفة في كل مكان، وكانت معظم المباني القديمة منهارة جزئيًا .
أثناء مرورهم عبر قلب المدينة المدمرة، انغمست سيرفيليا في أفكار مختلفة .
في ذلك الوقت، صرخ فارس في المقدمة بصوت عالٍ .
" أرى غولاً في اتجاه الساعة ٣ ! "
عند سماع الصوت المفاجئ، أدارت رأسها و رأت عدد قليل من الغيلان في المسافة البعيدة، لكن لم يكن هناك سبب للقلق بشكل كبير.
" الغيلان مجرد شيء بسيط، حتى أنها ليست خصمًا جيدًا للإحماء "
ابتسم فيليوس و سومر من قوات الشمال باسترخاء وهما يخرجان سيفهما الثقيل .
وكان لدى مارك تعبيرًا يشعر بالملل، وبدا فاين كما لو أنه رأى كلبًا يمر .
من ناحية أخرى، بدا فرسان المعبد متحمسين بشكل غريب لمواجهة الوحوش للمرة الأولى .
" احموا سموها ! "
أحاط خمسة من الفرسان المقدسين بعربة تشاسترتي. و رفع الباقون سيوفهم نحو الغيلان التي كانت تقترب ببطء .
خمسة غيلان من الرتبة الخامسة، يزيد طول الواحد منهم عن 5 أمتار، استدارت ببطء . عبست سيرفيليا و فكرت في الدروس التي تعلمتها في فصل علم الشياطين .
' …. الغيلان ضخمة وبطيئة الحركة، لذا فهي ليست خصمًا مهددًا للغاية، يمكنك اعتبارها مجرد صخور متحركة '
من المؤكد أن معلم علم الوحوش قال ذلك .
طقطقت سيرفيليا رقبتها و استعدت لمواجهة الوحوش . نزلت من العربة و ذهبت للعثور على حصانها و ركبته .
الطريقة بسيطة . أولاً، تفادي الركلة الثقيلة للوحش بخفة، ثم اقطع ساقه . عندما يسقط الوحش، اقطع رقبته، وهكذا تنتهي اللعبة .
إنه خصم سهل للغاية، حتى أنه ليس كافيًا للإحماء.
في ذلك الحين …
" ما، ما هذا ؟ "
— بوم، بوم، بوم ….
اهتزت الأرض بوقع أقدامهم، و اندفعوا بسرعة مذهلة .
" يركضون …؟ الغيلان … ؟ "
نظر الجميع إليهم بوجوه مذهولة . قبل أن يتمكنوا من اتخاذ أي إجراء، وصلوا إلى مكان قريب و ركلوا الفارس المقدس الأقرب إليهم بأقدامهم .
" آآآآآه ! "
" جميعكم استجمعوا أنفسكم ! "
صرخ لوسيان بصوت عالٍ و اندفع إلى الأمام .
قاد حصانه هنا و هناك لتفادي ركلات الغول ثم قطع كاحله بضربة واحدة .
عندما ركع الغول على الأرض بصوت عالي، صعد لوسيان بخفة على ظهره و قطع رقبته.
سقط الغول على الأرض بلا حول ولا قوة وألقى برأسه إلى الأسفل .
على عكس لوسيان، الذي أسقط الغول الأول و اندفع نحو الغول الثاني، كانوا الفرسان الآخرون يعانون بشدة، ولم يتمكنوا من التعامل مع أي منهم بشكل صحيح .
أولاً وقبل كل شيء، لم يكن من السهل تفادي ركلاتهم السريعة للغاية .
مع ذلك، تمكن جنود الشمال ذو الخبرة من إسقاط غول واحد بمهارة باستخدام الحبال . اندفعت عدة سيوف نحو الغول وتم القضاء عليه على الفور .
لم تستطع سيرفيليا البقاء مكتوفة الأيدي.
استلت سيفها و وجهته نحو أقرب غول، لكن الغول تفادى سيفها بسرعة ثم ضرب الأرض بقبضته الضخمة .
قادت سيرفيليا حصانها بصعوبة، و عادت إلى خلف الغول مرة أخرى و رفعت سيفها مستهدفة قدمه .
" آآآآآه ! "
لكن بسبب القبضة التي مدها الغول للخلف، سقطت من حصانها، و تفاقم الألم في يدها اليمنى، و أفلتت حتى سيفها، لكن لم يكن هناك وقت للألم.
نهضت سيرفيليا فجأة من مكانها وحاولت التقاط سيفها أولاً.
تدحرج سيفها على الحجارة و توقف بالقرب من قدم فارس مقدس ذي شعر كستنائي. كان نفس الرجل الذي تشاجر مع سيرفيليا من قبل.
"مهلاً، السيف ! مرر لي السيف من فضلك ! "
صرخت بيأس . عندما استدارت، رأت الغول يركض نحوها بخطوات واسعة .
كان الوقت ضيقًا للغاية .
" يااا ! "
لكن لسبب ما، لم يتحرك الفارس ذو الشعر الكستنائي وظل يحدق بها فقط دون أي حركة.
بدلاً من أن يلتقط السيف و يعطيه لها، ركله بقدمه بعيدًا، ثم اختفى بهدوء بين الفرسان الآخرين .
" ذلك الوغد المجنون ! "
لم تعرف سيرفيليا ماذا تفعل بعد أن فقدت سيفها . كان الغول الآن أمامها مباشرة .
— بـوم !
سقطت قبضة الغول الضخمة بالقرب من قدميها مباشرة .
تفادت سيرفيليا القبضة بالكاد، ثم ركضت في الاتجاه الذي طار إليه السيف .
' أوه، يا إلهي '
لسوء الحظ، في تلك اللحظة، فقد كاحلها المصاب قوته و التوى، و سقطت على وجهها في الوحل .
بعد أن بصقت الطين، زحفت إلى الأمام بيأس .
شعرت بالغول يتبعها بخطوات ثقيلة من الخلف .
كانت تتساءل لماذا يلاحقها هذا الغول باستمرار بينما يوجد الكثير من الناس هنا .
****************************