الفصل ٤٨ و ٤٩ : ذهبت الأميرة إلى الشمال و أفسدت الأمور


في لحظة غضب، جرحت سيرفيليا وجهه بسيفها .

" آآآه ! "

حدق فيها بعينين ثابتتين، كما لو كان ينظر إلى عدو لدود .

لم تستطع سيرفيليا أن تفهم . لقد عاملت حراسها بإخلاص، أحبتهم كما أحبت آرتشي، لكن لماذا ؟

" سيدتي، أنتِ أكثر سذاجة مما تبدين، أؤكد لكِ أنه لا يوجد أحد في هذه الأرض في صفك "

لماذا يقول مثل هذا الكلام ؟

كانت تنوي قطع رقبة بريدجر بضربة واحدة، لكن ما قاله بعد ذلك جعلها تتوقف .

" لذلك، سيدتي الأميرة، لا تثقي كثيراً في الأرشيدوق بيرنز "

"ماذا؟"

من الصدمة بهذه الكلمات غير المتوقعة، تراخت يد سيرفيليا و أسقطت سيفها . انتهز بريدجر الفرصة، و دفعها وهرب، لكن لوسيان رمى خنجراً أصاب ساقه .

" آآآه ! "

اقتربت سيرفيليا متعثرة من بريدجر المتهاوي .

" تكلم، من سيدك ؟ "

لكن بريدجر بصق الدم المتجمع في فمه ولم يقل شيئاً.

"قلت تكلم!"

صرخت سيرفيليا بألم وهي تضرب صدره بقبضتها .

" لماذا تفعل هذا بي ؟! ما هو هدفك؟! "

لم تستطع حتى البكاء من شدة الحزن . عندما بدأت تلهث كما لو كانت على وشك فقدان أنفاسها، ساعدها لوسيان على النهوض .

عبس لوسيان وهو ينظر إلى بريدجر .

" اهدئي، دعينا نأخذه إلى القلعة لاستجوابه رسميًا "

" بريدجر فارس عظيم، لن يعترف مهما استجوبناه، لكن أوريس الصغير قد يكون قابلاً للتفاوض "

أشارت سيرفيليا إلى أوريس، الذي كان يتدحرج على الأرض، ممسكًا بجنبه النازف .

" إذن سأتعامل مع البقية "

" افعل ما تراه مناسبًا "

أغمضت سيرفيليا عينيها بقوة، كان بإمكانها معرفة ما يحدث من الأصوات وحدها . اخترقت رياح الشمال الباردة قلبها .

مسحت رؤيتها المشوشة واقتربت من أوريس .

" حسنًا يا أوريس، كن مطيعًا، حسنًا ؟ "

" أنـ، أنا لا أعرف شـ، شيئًا "

صرخ أوريس وهو يزحف للخلف مترنحاً. كان حارساً جديداً لم يمضي على تعيينه سوى عامين . كان صغيراً و بريئًا، و أحبته سيرفيليا بقدر حبها لآرتشي .

علاوة على ذلك، كان صديقاً مقرباً لآرتشي .

داست سيرفيليا على ساقه وسألت :

" أوريس، لن أتساهل معك، لذا أخبرني ما يحدث بسرعة، قبل أن تموت مثل أولئك الحثالة "

" آه، آه … أنا حقًا لا أعـ، أعرف، أنا فقط …. فعلت ما أمرني به القائد "

" تقول أنك هاجمتني فقط لأن قائد الحرس أمرك بذلك ؟ أوريس، كف عن هذا الهراء "

" إنها الحقيقة."

عندما رفعت سيرفيليا يدها بشكل مهدد، أطلق أوريس صرخة خافتة و أغمض عينيه بقوة . تساءلت سيرفيليا في حيرة عميقة كيف يمكن لشخص ضعيف مثله أن يخونها .

" نحن فعلنا الشيء الصحيح فقط ! "  صرخ أوريس بجرأة كما لو أنه اكتسب الشجاعة فجأة .

" منذ متى أصبحت أنا مستثناة من 'نحن' "

ابتسمت سيرفيليا بمرارة .

هل كل تلك اللحظات - الضحك بصخب بجانبها، و الثرثرة، و مجاراة مزاحها السخيف، و تلبية كل رغباتها العنيدة - كانت مجرد أساس للخيانة اليوم ؟

ما شعرت به كان أكبر من مجرد كلمة "خيانة".

راقب بحذر، محاولاً إيجاد فرصة للهرب . عندما لاحظ لوسيان ذلك و وضع سيفه على رقبته، أوقفته سيرفيليا بسرعة.

" لا تؤذه "

" يجب اقتلاع جذور أمثال هؤلاء الأشخاص، إذا تركناه حياً، لا نعرف نوع المشاكل التي قد يسببها لاحقًا "

لم تكن سيرفيليا جاهلة بذلك . فقط لم تكن راغبة في قتل أوريس .

تذكرت في عقلها اليوم الذي أمسك فيه أوريس الصغير بالسيف لأول مرة، كما تذكرت يوم أقسم لها الولاء بوجهه البريء .

لم تستطع قتله … بما أنها كانت تحب تلميذها الأول أوريس بشكل خاص، ضعف قلبها عندما رأت تعبير وجهه المذعور و جسده المرتعش من الخوف .

" سنستجوبه في القلعة، اربطه على الحصان و احضره "

انتهى الموقف … أضاء ضوء القمر الخافت بقع الدم المتناثرة في المكان بشكل مخيف .

تجمعت أسراب الغربان بالقرب من الجثث الساكنة . حدقت سيرفيليا بشرود في لوسيان وهو يربط أوريس بإحكام.

" أميرة، هل أنتِ بخير ؟ "

" كيف لي أن أكون بخير ؟ "

لم يكن من الممكن أن تكون بخير . ليس فقط بسبب الإصابات الجسدية، بل كان الجرح النفسي أعمق .

والآن نمت في قلبها شكوك حول آرتشي ريفرهيل الذي ينتظرها في القلعة .

" يجب أن نعود سريعاً قبل أن يحل الظلام."

" حسنًا، لنغادر "

ركبت الحصان بمساعدة لوسيان، و بسبب إصابة سيرفيليا، قرر الاثنان ركوب حصان واحد معاً.

قاد لوسيان الحصان ببطء . تبعهم أوريس بصعوبة وهو مقيد اليدين و مربوط خلف الحصان .

خيم صمت غريب تحت صوت شهيق أوريس . ارتفع و انخفض صدر لوسيان بشكل ملحوظ .

وبين أصوات حوافر الخيل، تحدث لوسيان :

" أميرة، لدي شيء أود أن أسألك عنه."

"ما هو؟"

" …. ما رأيك في كلام قائد الحرس ؟ "

آه، ماذا قال ذلك الوغد ؟ نعم، قال لا تثقي في الدوق بيرنز .

أجابت سيرفيليا ساخرة : " أنا لا أثق عادةً بكلام الرجال القبيحين "

" أميرة، أنا أسأل بجدية "

أمسك لوسيان باللجام بقوة . بدت يده ترتعش قليلاً .

حسناً، كيف يجب أن تجيب ؟ بعد تفكير قصير، تحدثت سيرفيليا :

" الفارس يتحدث بسيفه وليس بلسانه، لقد رأيت سيفك يحميني، فكيف لي أن أشك فيك ؟ "

إنها كذبة … لم تكن سيرفيليا تثق في لوسيان.

في الواقع، لم يكن لديها سبب وجيه للثقة به. وعلى عكس كلماتها، حفرت الكلمات الأخيرة لبريدجر في قلبها .

تنهد لوسيان تنهيدة ارتياح خفيفة .

" لقد أقسمت أنا و عائلة بيرنز على الولاء الأبدي لعائلة أبردين الملكية، لا تنسي ذلك أبدًا "

وبعد فترة، وصل الاثنان إلى الحاجز و ذهبا مباشرة إلى الساحر . كان لوسيان مصاباً أيضاً، لكن لم تكن حياته في خطر .

" لقد أصبتِ بجروح بالغة."

عبس لوسيان وهو ينظر إلى جرح الطعنة في خصرها .

بينما كانت سيرفيليا تتحمل نظراته المركزة على جرحها، تذكرت فجأة جثث الفرسان التي تركوها في البرية. ربما الآن قد التهمتها الوحوش بشراهة .

' لحظة، هذا ليس من شأني '

كان من السخف أن تقلق عليهم . كيف لها أن تقلق على أحد بعد أن تعرضت للخيانة من فرسان الحراسة الذين كانوا بمثابة يديها و قدميها ؟

' آرتشي …. '

تصارعت في ذهنها فكرتان : احتمال خيانة آرتشي، و احتمال أنه هو نفسه كان ضحية خدعة .

أرادت العودة سريعاً إلى القلعة للتأكد .

" تم نقل أوريس مباشرة إلى زنزانة القلعة السفلي "

أبلغها لوسيان وهو يعدل الضمادة على ذراعه. أومأت برأسها بخفة ثم أغمضت عينيها بقوة.

" أنا مدينة لك مرة أخرى، شكراً لك."

" لقد قمت بواجبي فقط."

"على أي حال، هل كان كل شيء على ما يرام؟"

سألت سيرفيليا متذكرة السبب الأصلي الذي جعلها تذهب إلى ما وراء الحاجز .

" أنا بخير، لكن لماذا جئتِ إلى ما وراء الحاجز في المقام الأول؟"

حكت سيرفيليا رأسها بحرج . لم تستطع أن تخبره القصة المجنونة عن سماعها صراخه، خاصة بعد أن علمت أنه لم يحدث شيء.

" آه، حسنًا، لم أستطع تحمل عدم رؤيتك."

عند هذا الرد غير المتوقع، بدأ لوسيان يسعل كما لو أن شيئاً علق في حلقه .

عندما ربتت على ظهره، ازداد وضعه سوءاً .

أصبح وجهه الآن شبه أرجواني، وبعد أن هدأ أخيراً، تحدث :

" لا تمزحي هكذا، لقد كدتِ تموتين حقًا "

" بما أنني كدت أموت على يد فرسان الحراسة وليس الوحوش، أليس الأمر بنفس الخطورة بغض النظر عن المكان الذي أذهب إليه ؟ "

في الواقع، كانت قد وضعت حياتها في أيدي أعدائها لسنوات طويلة . فقط كشفوا عن وجههم الحقيقي الآن، ولم تكن آمنة أبداً ولو لمرة واحدة .

بعد انتهاء العلاج، استعد الاثنان للمغادرة على الفور راكبين الخيل .

طوال الطريق، كان تفكير سيرفيليا منشغلاً بآرتشي، إذا خانها آرتشي أيضاً، فلن تتحمل ذلك حقاً .

' لكن آرتشي أغبى من أن يخدع الآخرين '

رددت ذلك لنفسها، لكن من يعلم ؟

أوريس هو أقرب صديق لآرتشي، وبما أنه قد خانها، فربما لا يختلف آرتشي عنه .

تصارعت في داخلها إرادة كشف الحقيقة مع غريزة تريد تجاهل كل شيء .

****************************

الفصل : ٤٩


" ربما يكون هناك قتلة آخرون، لذا من الأفضل الدخول من الباب الخلفي "

في وقت مبكر من الفجر، كانت القلعة فارغة.

لحسن الحظ، تمكن الشخصان من الدخول دون أن يراهم أحد . سيرفيليا كانت تتقدم بحذر على السجادة الناعمة في الممر .

" انتظري لحظة، يا أميرة "

رأى شعاع من الشموع المتراقصة في غرفة سيرفيليا . يبدو أن هناك شخصًا ما في الغرفة .

" لابد أنه آرتشي "

" لذا كوني حذرة "

سحب لوسيان سيفه من خصره و بدأ في توخي الحذر .

هل يمكن أن يكون آرتشي قد خانها أيضًا ؟

حاولت سيرفيليا دفع تلك الأفكار السيئة بعيدًا و فتحت الباب .

كانت الشموع تضيء الغرفة، و موضوعة على الطاولة، و أمامها ….

"أميرة، هل جئتِ؟"

كان آرتشي مستلقيًا على الأريكة، يخدش بطنه المنتفخ و يأكل الكعك . عندما رأت سيرفيليا هذا، شعرت بالاستنزاف .

" …. ماذا تفعل ؟ "

" أوه، أميرة، انظري إلى ساقي، لقد تمزق الرباط، لن أتمكن من الحركة لفترة."

أشار آرتشي إلى ساقه المربوطة بالشاش، بينما يواصل تناول الكعك . كان لديه الكثير من فتات الكعك على فمه وهو يضحك .

" أميرة، أين هو أوريس ؟ أحتاج أن أستخدمه كخادم "

" في السجن تحت الأرض."

أجابت سيرفيليا بصراحة و أشارت إلى لوسيان ليعيد سيفه إلى مكانه، لكن لوسيان الذي كان مختبئًا خلف الباب لم يخفف من حذره .

" لماذا هناك ؟ هل هناك شيء ممتع ؟ "

ما زال آرتشي غير مدرك للوضع، و شرب الشاي بشغف . اقتربت سيرفيليا منه و ضربته بقوة على مؤخرة رأسه .

" آآآه ! أميرة ! "

أمسك آرتشي بشعره الأحمر بتألم .

" هل ستلعب بهذه الطريقة في كل مرة يكاد سيدك يموت فيها ؟ "

" ماذا حدث ؟ كنت قلقًا للغاية "

" هل هذا هو موقف شخص قلق ؟ "

عندما رأت كيف كان مستلقيًا بلا مبالاة، شعرت بالاستياء . كان هذا حقًا هو آرتشي .

كما هو متوقع، شعرت بالارتياح لأن آرتشي لم يقم بخيانتي، لكنني شعرت أيضًا أنه كان عليّ التأكد .

أمسكت سيرفيليا بملابسه و سحبته نحو الجدار المقابل، اتسعت عيني آرتشي في دهشة وهو يتنفس بصعوبة .

" كـح … "

" لا تعبث معي، و تحدث بوضوح."

" مـ، ماذا تقصدين ؟ "

" هناك شيء تخفيه ؟ اعترف بكل شيء "

اهتزت عينا آرتشي بقلق . لاحظت سيرفيليا اضطرابه و خفق قلبها.

هل سيحدث ما كانت تخشاه أكثر من أي شيء آخر ؟

فتح آرتشي فمه و أغلقه عدة مرات، ثم أغمض عينيه بقوة و صرخ :

" آسـ … آسف جدًا ! "

هل خانها حقاً ؟ ابتلعت سيرفيليا ريقها منتظرة كلماته التالية .

" حاولت أن أكون حذراً جداً، لكنه كان مجرد خطأ، صدقيني ! "

هاه ؟ رمشت بعينيها في حيرة، لم تستطع فهم ما يتحدث عنه .

" عم تتحدث ؟ "

" … ألستِ غاضبة لأنني مزقت كتابك يا أميرة ؟ "

عندها تذكرت … كانت غاضبة جداً لأن شخصاً ما طوى زوايا رواية نادرة تعتز بها، وترك آثار أصابع عليها، وحتى مزق الصفحة الأخيرة.

لم تتمكن من القبض على الفاعل في ذلك الوقت ….

" أنت من فعل ذلك ؟ "

" …. لا ؟ "

رمش آرتشي بعينه اليسرى بقلق. كانت هذه عادته عندما يكذب .

" أيها الوغد، أتكذب ؟ "

" آه، أنا آسف ! لن أفعلها مرة أخرى ! "

راح آرتشي يفرك يديه طالباً المغفرة . كادت سيرفيليا أن تضربه من شدة غضبها، لكنها تذكرت فجأة هدفها الأصلي .

" لا، ليس هذا، هل أنت متواطئ مع فرسان الحراسة ؟ "

" بالطبع ! "

" …. ماذا ؟ "

فغرت فمها بذهول .

"بالطبع نحن فريق واحد!"

" لا، لم أقصد ذلك …. "

عجزت عن الكلام . في هذه النقطة، أصبح توجيه الأسئلة عديم الجدوى، فقدت حتى الرغبة في استجوابه .

" حسنًا، اذهب فقط و تناول بعض الكعك "

تركت سيرفيليا ياقته و دست الكعكة في فمه. حتى وهو يمضغ، نظر آرتشي إلى سيدته بنظرة متسائلة .

" هل حدث شيء ما ؟ "

" اسأل صديقك."

ألقت سيرفيليا بنفسها على الأريكة المغطاة بفتات الكعك .

جلس لوسيان أمامها بوجه جاد .

ترقص ظلال الشموع على وجهه، بعد لحظة من الصمت، فتح فمه بحذر .

" أميرة، هل يمكنني أن أسألك بعض الأسئلة؟"

" آه، بالتأكيد."

" كم عدد السنوات التي قضاها هؤلاء الفرسان المرافقون معك ؟ "

" أطولهم عشر سنوات، و أقصرهم سنتان، وأصغرهم أوريس كان تلميذي الأول الذي دربته بنفسي."

بعد قولها هذا، شعرت كأن قلبها يتمزق إرباً.

لقد تم إنكار كل تلك السنوات الطويلة التي قضتها معهم . شعرت كأن جزءاً كبيراً من حياتها قد اقتُطع .

"هل لم يكن هناك أي شيء مثير للشك قبل حادثة اليوم؟"

"مهما فكرت، كلها ذكريات سعيدة فقط."

" ثم هل كان هناك أي شخص شارك في اختيارهم ؟ "

" لقد اخترتهم بنفسي من بين المرشحين، اخترتهم جميعاً على أساس قدراتهم، لذا لا يوجد موقف يمكن لأحد أن يتدخل فيه، آه، باستثناء إيستون، ذلك الشاب تم اختياره بسبب علاقاته."

نظرت سيرفيليا إلى آرتشي الجالس على الأرض .

"عن ماذا تتحدثان؟"

أمال رأسه بحيرة كمن لا يفهم شيئاً . أومأت سيرفيليا ببطء، فتحدث لوسيان :

" لقد هاجموا فرسان الحراسة الأميرة، أحدهم أسير في السجن، و الباقون قتلى "

بدا الأمر لسيرفيليا كأنه قصة شخص آخر، أو كأنها محتوى رواية رديئة غير رائجة .

يبدو أن آرتشي شعر بنفس الشيء، إذ ابتسم عند سماعه ذلك .

" ماهذا المزاح السخيف أيها الأرشيدوق ؟ بالمناسبة، أين الجميع ؟ "

نظر آرتشي حوله بسرعة وكأنه أدرك للتو أن فرسان الحراسة غير موجودين .

" أخبرتك أن أوريس في سجن تحت الأرض، و الباقون أصبحوا طعاماً للوحوش خلف السور "

عندما رأى آرتشي تعبير سيرفيليا الجاد، غير المعتاد، غطى فمه بيده في صدمة .

ساد الصمت للحظات. كلاهما احتاج وقتاً لاستيعاب ما حدث .

أخيراً، ركض بخطوات قصيرة و جلس بجانبها .

" كان يجب أن أذهب معكِ، كان يجب أن أحميكِ …. "

نظرت سيرفيليا و لوسيان إليه بذهول . كانا يفكران أنه من حسن الحظ أن آرتشي لم يذهب، فلو كان قد ذهب لكان قد مات حتماً .

أبعدت سيرفيليا آرتشي بهدوء .

"هل تعرفين ما كان هدفهم؟"

" لا أعرف مطلقاً."

عبس لوسيان قليلاً ثم مرر يده على شعره الناعم .

" إذن أخيرًا …. لماذا بحثتِ عني ؟ حتى أنكِ عبرتِ الحاجز."

" لا أستطيع أن أخبرك بالتفاصيل، لكني ذهبت لإنقاذك."

كان هذا أفضل ما يمكن قوله. بدا من الأفضل عدم ذكر أي هراء عن رؤية أوهام غريبة وما شابه .

فهي تبدو كامرأة مجنونة بالفعل، ولا داعي لتأكيد هذا التحيز .

" تقصدين …. أنا ؟ "

بدا على وجه لوسيان الوسيم الذهول، وكأنه لم يتوقع هذا الجواب مطلقاً .

" نعم، يجب أن أنقذ أميري، من غيري سينقذك؟"

" أميرة، أنا نادراً ما أحتاج لمساعدة الآخرين، لذا أرجوكِ لا تحاولي إنقاذي مرة أخرى."

"آه، كيف يمكنني تجاهل رجل وسيم في خطر؟"

أمسكت سيرفيليا بيده الموضوعة على الطاولة و قبّلتها بسرعة. سحب لوسيان يده مذعوراً .

" أميرة."

"حسناً، فهمت، من الآن فصاعدًا حتى لو رأيتك تموت أمامي، لن أحرك ساكناً."

" أرجوكِ افعلي ذلك."

لم يكن لديها ما تعترض به. في الواقع، لم يكن لوسيان في خطر على الإطلاق، بل كانت هي التي كانت في خطر .

بدلاً من إنقاذ الأمير، انتهى بها الأمر بأن تم إنقاذها، مما جرح كبرياءها قليلاً .

بالإضافة إلى ذلك، غمرها القلق بسبب خيانة الفرسان المرافقين و الخوف من المتآمرين، تنهدت سيرفيليا بعمق وتمتمت :

" لا أستطيع أن أفهم كيف حدث كل هذا."

" يبدو أنه من الصعب العودة إلى العاصمة الآن، لذا ابقي في الشمال لفترة لنراقب الوضع."

لم يكن كلامه خاطئاً. لم يكن بإمكانهم معرفة من هم الخونة بين فرسان القصر المتبقين في العاصمة، ولا معرفة القوى التي تقف وراء المؤامرة .

فجأة شعرت بالتعب . كانت متوترة منذ فترة، وعندما شربت الشاي الساخن، شعرت كأن جسدها يذوب .

" سنتحدث عن التفاصيل غداً، أشعر بالنعاس."

عندما نهضت سيرفيليا فجأة، نهض لوسيان و آرتشي أيضًا .

في تلك الليلة، تقلبت سيرفيليا في فراشها لفترة طويلة، ولم تستطع النوم إلا عندما أوشكت الشمس على الشروق .

****************************

*

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم

اعلان