الفصل ٧٧ : ‏Do Your Best to Regret

{ من هي سيدة قصر تياجي ؟ }


في رواق قصر ولي العهد .

هرع الكونت هاجيس مسرعًا نحو مكتب ولي العهد بعد سماعه تقريرًا جديدًا. وقبل أن يلتقط أنفاسه، طرق باب المكتب فجاءه إذن مقتضب بالدخول .

و بالتزامن تقريبًا مع فتح الباب، ارتسمت على وجه الكونت هاجيس المشرق ملامح حيرة للحظة .

" أحيي سمو ولي العهد، ولكن …… "

كان ليوبارد لا يعلم .

" … ما الذي أتى بالدوق الشاب مادلين ؟ "

كان كونراد قد لاحظ ذلك، وبتلك الدرجة تحديدًا .

تظاهر كونراد بأنه لم يلاحظ حيرة الكونت هاجيس وأشار إلى الأوراق التي يحملها .

" لقد قيل لي أن سموك سيتلقى تقريرًا حول دعوة وفد هڤرتي الأخير، لذا جئتُ بالنيابة عن وزير الخارجية."

" لا بد أنك مشغول، شكرًا لجهودك."

تبادلا التحيات الرسمية. وفي هذه الأثناء، وبعد أن تفحص ليوبارد قائمة الوفد، رفع قلمه بلا مبالاة .

" آه، متى قيل أن الوفد سيصل ؟ "

" لقد تلقينا تأكيدًا بوصولهم بعد غد، وهو أول أيام مأدبة الصيف."

" متأخرين بيوم "

كان توبيخًا غير مدروس . لقد كانت كلمات لا تأخذ في الاعتبار الوقت المستغرق للسفر من هڤرتي إلى الإمبراطورية، لكن كونراد بدلاً من أن يشير إلى الحقيقة، أومأ برأسه بصمت .

نظر ليوبارد إلى وجهه شارد الذهن و أمال رأسه .

شعره الفضي الذي ينسدل بنعومة، وجهه الذي يبدو باردًا بطريقة ما. وجه كونراد للوهلة الأولى جعل ليوبارد يتذكر شخصًا ما .

كان يمكنه محوها ببساطة، لكن هذه الصورة الباهتة الغامضة استمرت في إرباك عقله .

جايد مادلين، بما أنهما أخوان، كانا متشابهين جدًا، أما أصغر أميرة فلم يرها بشكل صحيح، لذا لم يكن يعلم. تدريجيًا، بينما كان ليوبارد يضيّق نطاق بحثه، خطر بباله اسم بوضوح .

أوليڤيا مادلين …

وبينما يتضح الوجه الذي كان ضبابيًا، بدأ وجه ليوبارد يتصلب ببطء . كانت أوليڤيا التي ظهرت في ذهنه لحظتها، ليست كما اعتادت أن تطلب حبه كجرو صغير .

" أوليڤيا مادلين، تحيي شمس الإمبراطورية الصغير، و قريبًا سأكون زوجة الدوق الأكبر ڤيكاندر، و سأحييك مرة أخرى "

لقد كانت أوليڤيا هي من أدارت ظهرها له و اختفت في قصر تياجي.

" … أتمنى لك السلامة حتى ذلك الحين "

عبس ليوبارد بشدة وهز رأسه قليلاً . كان اعتقاده بأن أوليڤيا تشبه الدوق الشاب مجرد وهم. فالدوق الشاب الذي كان دائمًا عابسًا و أوليڤيا التي كانت تتوق لحبه بشكل مؤسف، لا يمكن أن يكونا متشابهين .

أغلق ليوبارد غطاء الموافقة وكأنه يطرد الأفكار من رأسه. لمعت عيناه الباردتان و الوسيمتان نحو كونراد .

" إذًا، مسألة الوفد قد حُلت … "

اغتنم ليوبارد فرصة توقف كونراد وهو يأخذ غطاء الموافقة، ليقول لب الموضوع .

السبب الحقيقي لاستدعاء كونراد، حتى مع التذرع بالوفد الذي سيتولى أمره جيدًا بنفسه .

" لقد مضى وقت طويل منذ أن قال الدوق أنه سيتواصل مع الأميرة، لذا بالطبع، يجب أن يكون شقيقها الدوق الشاب على علم بأخبارها، أليس كذلك ؟ "

وجهت الكلمات ذات المعنى نحو كونراد، لكن ما أزعج كونراد لم يكن انتقاد والده، بل اسم أوليڤيا نفسه .

" … أنا آسف يا سمو ولي العهد "

تشوه وجه ليوبارد الذي كان يبتسم ببطء في انتظار الإجابة. "آسف"؟!

"هل تم تأكيد حضورها إلى مأدبة الصيف هذه؟"

"... أنا آسف يا سمو ولي العهد."

" هل تم التواصل معها حتى ؟ "

" أنا آسف …… "

لم يستطع تحمل الأمر، وبينما احمرّت عيناه، رمى ليوبارد كل ما استطاع الإمساك به . دوى صوت تكسر عالي في المكتب، و سقطت أغلفة الوثائق التي أُلقيت على الحائط بلا مبالاة .

عندما ابتلع أحدهم ريقه، تمتم ليوبارد بضحكة خافتة : " على أية حال، من المضحك أن أسأل هذا "

على عكس صوته المنخفض، اخترقت عيناه الزرقاوان اللتان تشبهان لون البحر كونراد وكأنهما تهاجمانه .

" لو كنت تسأل عن أحوالها، أو لو كان الدوق الشاب قلقًا على أخته من البداية، لما أرسلتها بهذه السهولة إلى إقليم ڤيكاندر "

من يلوم من الآن ؟

فحقيقة أن ولي العهد قد احتقر أوليڤيا و رافق عشيقته إلى كل مكان كانت معروفة في كل أنحاء الإمبراطورية .

" لم أتوقع أن يتحدث سمو ولي العهد بهذه الطريقة "

لم يتمكن كونراد من كبح جماح مشاعره المتاججة، فتمتم بكلمات وكأنه يسحقها بين أسنانه. لمعت شرارات في عينيه الجمشتيتين التي كانت باردة دائمًا .

في الواقع، كان الأمر مثيرًا للسخرية. فكونراد مادلين، الذي كان يعادي أوليڤيا أكثر من أي شخص آخر، يقف الآن إلى جانبها .

ارتفعت زوايا فم ليوبارد المغلق بإحكام بشكل حاد. حدقت عيناه بشراسة في كونراد، وسرعان ما انطلقت ضحكة ساخرة من شفتيه .

" الآن، هل الدوق الشاب يلومني ؟ "

قال ليوبارد بصوت منخفض. سيطرت أجواء تهديدية على المكتب، فقد كان الأمر غير مقبول .

فالوريث المستقبلي لعائلة مادلين الموالية للإمبراطور، والذي يتمتع بولاء عميق، يسخر منه بسبب أوليڤيا فقط .

بسبب هذا الأمر السخيف، نهض ليوبارد الذي كان مستندًا ببطء، وتوقف للحظة . اليوم، ظل يشعر بشعور غريب من الشؤم تجاه كونراد .

وجهه الذي ينظر إليه ببرود، وحتى كلماته التي لامته قبل قليل . تمامًا مثل … لكن ليوبارد لم يواصل التفكير أكثر من ذلك .

— الصورة التوضيحية : هـنـا .

لم يخفي الرجلان طويلي القامة عداءهما لبعضهما البعض. كانت الهالة الحادة التي تهدف إلى قهر الآخر تتصادم بقوة .

" صاحب السمو، صاحب السمو ! أنـ، أنا، لقد تأكدت للتو من دخول عربة الدوق الأكبر من بوابة العاصمة ! "

قال الكونت هاجيس على عجل، بعد أن تراجع قليلاً بسبب الأجواء القاتمة. وما إن انتهى من كلامه حتى تلاشت الهالة الثقيلة التي كانت تملأ المكتب .

" ماذا عن أوليڤيا ؟ "

رد ليوبارد متسائلاً دون أن يتنفس، فأعاد الكونت هاجيس الحقائق التي تلقاها في التقرير .

" لقد دخلت الأميرة أيضًا العاصمة."

مجرد سماع أن أوليڤيا موجودة في نفس المكان، بدأ عبوس ليوبارد المتجهم بالتراجع قليلاً .

انحسر التوتر الذي بدا مكثفًا تدريجيًا .

" أين هي الآن، لا …… "

في هذه اللحظة، قبض كونراد بقوة على قبضتيه، منتظرًا أكثر من أي شخص آخر أن يتم تحديد مكان أوليڤيا .

" على الدوق الشاب المغادرة."

تردّد كونراد من الأمر المتوقع بالمغادرة، لكن هذا كان كل شيء . بعد أن غادر كونراد، الذي حافظ على آدابه حتى النهاية، وجه ليوبارد عينيه المستائتين نحو الكونت هاجيس .

" كيف بدت أوليڤيا ؟ "

أوليڤيا … كان نطق هذا الاسم غريبًا بعض الشيء .

الآن بعد أن فكر في الأمر، لم يقم بمناداتها باسمها أوليڤيا في كثير من الأيام .

هل لهذا السبب يبدو الأمر غريبًا ؟ أو هل هناك كلمة يرغب في إضافتها بعد هذا الاسم ؟

كبت ليوبارد مشاعره المعقدة وجمع كل ما أراد قوله، لكن الكونت هاجيس انحنى برأسه .

" آه، عذرًا يا سمو ولي العهد، لقد كانت الأميرة في نفس العربة مع الدوق الأكبر، لذا كان من الصعب التأكد من حالتها الصحية الحالية."

" هل كانا الاثنان في نفس العربة ؟! "

" نعم "

— بوم !

فجأة، نظر الكونت هاجيس بتفاجؤ إلى ليوبارد عندما سمع صوت لكمة على المكتب .

غضب غير مبرر تصاعد في صدر ليوبارد. على الرغم من أنه ضرب المكتب بقوة، إلا أن قبضته لم تتألم .

نفس العربة ؟! يا له من مكان صغير !

عرف ليوبارد جيدًا أن أي شيء يمكن أن يحدث في تلك العربة .

كان هذا مختلفًا عن رقص أوليڤيا مع الدوق الأكبر. لقد قدم بالفعل لأوليڤيا قدرًا كبيرًا من التنازلات. لقد قيد عفتها بتأجيل لمدة عام، لكن لا أحد يعلم ما سيحدث .

" بيرتين "

" نعم يا سمو ولي العهد."

" لنذهب فورًا إلى حيث توجد الأميرة "

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

عندما خرج ليوبارد إلى مدخل القصر، كانت العربة جاهزة بالفعل . خادم واقف أمامها تفاجأ برؤية ليوبارد و انحنى برأسه .

" أين هي الأميرة الآن ؟ "

قال ليوبارد وهو يصعد إلى العربة. تردد الكونت هاجيس للحظة فيما سيجيب به.

المكان الوحيد الذي يمكن أن تذهب إليه الأميرة في العاصمة هو قصر الدوق الأكبر ڤيكاندر، لكن حدسي كان يخبرني أن ولي العهد سيغضب إذا ذكرت قصر الدوق الأكبر كمكان وجودها .

في صمت، عبس ليوبارد. لم يستطع الانتظار ولو للحظة. في نفس الوقت، كان الخادم الذي بجانبه مترددًا .

" ولكن لماذا القصر صاخب جدًا اليوم ؟ "

تذمر ليوبارد بانزعاج. كان يسمع صوت صراخ صاخب من مكان ما في قصره الهادئ و المريح عادة.

نظر إلى المكان الذي يأتي منه صوت الصراخ، فاقترب رئيس الخدم الذي كان يقف بعيدًا بسرعة، وكأنه قد لاحظ نظراته .

نظر رئيس الخدم إلى الخادم الواقف بجانب العربة وقال : " سمو ولي العهد، هل أنت ذاهب إلى قصر تياجي ؟ "

" قصر تياجي ؟ لماذا هناك ؟ "

للحظة، مر على وجه رئيس الخدم علامات تدل على أنه قد أخطأ في الكلام .

هل من الممكن أن تكون أوليڤيا قد جاءت إلى قصر تياجي ؟

هز ليوبارد رأسه عند الفكرة التي خطرت بباله فجأة. مهما كانت أوليڤيا عديمة الكبرياء، فلن تأتي إلى قصر تياجي بهذه السرعة، لكن سرعان ما ارتفعت شفتا ليوبارد بخفة .

عند التفكير في الأمر، قصر تياجي هو المكان الذي كانت تحبه بشدة .

الآن، بدلاً من صورة أوليڤيا التي أفسدت مزاجه قبل قليل، خطر برأس ليوبارد مظهر أوليڤيا التي كان يعرفها جيدًا. مظهر أوليڤيا مادلين وهي تبتسم و تدور حوله بلا نهاية .

ولكن عندما بدأ رئيس الخدم المحرج بالحديث عن ما حدث، تجمد ليوبارد للحظة وكأنه قد صُب عليه الماء البارد .

" … ماذا ؟ ماريا أصيبت ؟ "

هذا يعني أن أوليڤيا لم تعد ؟

صُدم ليوبارد من الفكرة المفاجئة. ماريا حبيبته أصيبت، وهو يفكر في أوليڤيا !

يبدو أن رئيس الخدم ظن أن وجهه العابس يعكس غضب ليوبارد بسبب إصابة حبيبته، فبدأ يشرح بارتباك .

" لقد قيل أن الشاي قد انسكب على ذراعها."

" انسكب ؟ ماذا يعني هذا ؟ تحدث بوضوح لكي أفهم."

" هذا …… "

في تلك اللحظة، أرتفع صوت البكاء، و ركضت سيدة ذات وجه حنون من بعيد وهي تبكي . بينما تهاون الخدم الذين تركوها، ركعت السيدة فور رؤيتها ليوبارد و انحنت .

" يا إلهي، أحيي شمس الإمبراطورية الصغير، سمو ولي العهد "

" …… مربية ماريا ؟ "

كان وجهًا يراه كلما ذهب إلى قصر الماركيز إثيل. زاد نحيب المربية من فرحتها بأن ولي العهد ذكرها .

" نعم ! سمو ولي العهد ! لقد أصيبت سيدتي بحروق بسبب خادمات قصر تياجي ! "

" لا، أيتها السيدة ! ما هذا الكلام ! "

قفز رئيس الخدم و أوقف المربية، لكن ليوبارد كان قد سمع كل شيء بالفعل .

" … مهلاً، حروق بسبب الخادمات ؟ ماذا يعني هذا ؟ "

كان صوتًا خاليًا من أي تعبير، هادئًا لدرجة أنه لم يظهر أي قلق، مما أصاب المربية بقشعريرة .

عيون زرقاء حادة تحدق في المربية وكأنها تخترق روحها. قامت المربية غريزيًا بتقويم جسدها الذي كان يتقلص . في نفس الوقت، تذكرت ما قالته سيدتها قبل قليل .

" آآآآه ! "

عندما دوّت الصرخات، هرعت المربية إلى غرفة الاستقبال. لم يكن بإمكانها أن تسمح بتكرار ما حدث في قصر الأميرة سابقًا، لكن المشهد الذي رأته المربية كان مختلفًا عن قلقها .

" اغفـ، اغفري لي يا آنستي "

خادمة شابة تحمل إبريق شاي كانت ترتعش و تركع أمام ماريا. يبدو أن الخادمة قد أسقطت إبريق الشاي، فقد كان مقدمة ملابسها مبللاً بالكامل .

في المقابل، كانت ماريا تحدق في ذراعها الذي رُش عليه بضع قطرات من الشاي، تعبس و تضغط على ذراعها .

عندما استدعت البارونة سوفرون الطبيب الملكي بارتباك عند رؤية هذا المنظر، قالت ماريا سرًا للمربية في الغرفة التي كانتا فيها وحدهما : " أسرعي يا مربية إلى ولي العهد، تتذكرين الخادم الذي دفعنا له المال من قبل ؟ الذي أوصل رسالتي، نعم، اذهبي إليه و اطلبي منه أن يبلغ ولي العهد بأي طريقة أنني أصبت."

في خضم الفوضى، فكرت المربية بسرعة .

" وإذا لم يكن ذلك ممكنًا … "

" إذا لم يكن ذلك ممكنًا، فاجلبي ولي العهد إلى قصر تياجي بأي طريقة."

عندما نظرت ماريا إلى المربية مرة أخرى، بعد أن تنهدت بخفة وهي تحدق في الأفق، كان وجهها الجميل الشبيه بالدمية قد أصبح باردًا أكثر من أي شخص آخر . تذكرت المربية بوضوح ما تمتمت به سيدتها في ذلك الوقت .

" … على ليوبارد أن يعرف كيف أُعامل بسببه، على الأقل، يجب على ولي العهد أن يؤكد من هي سيدة قصر تياجي."

لذلك، لم تفعل المربية سوى أن تخبره بأكثر وجه يأسًا و حزنًا ممكنًا .

" لقد مرت فترة طويلة منذ أن استخفت خادمات قصر تياجي بسيدتي و أسأن إليها، وهذه المرة أيضًا، القصر الذي زينته سيدتي لسمو ولي العهد، قاموا بالتصرف فيه كما يحلو لهم ! "

لكن المربية، التي كانت مطأطئة رأسها، لم تعلم أن وجه ليوبارد الذي كان غارقًا في التساؤلات، قد تجمد ببرود في اللحظة التي سمع فيها الكلمات الأخيرة .

" … يجب عليّ المرور بقصر تياجي أولاً "

كانت المربية سعيدة فقط لأنها حققت هدفها .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

وفي تلك اللحظة، في أعمق غرفة في قصر تياجي .

كانت ماريا إثيل مستلقية على السرير في غرفة نوم ولية العهد، وهي الغرفة التي لا يسمح بالدخول إليها سوى ولية العهد .

نظرت البارونة سوفرون إلى ماريا إثيل بوجه متجهم، و ابتسمت ماريا برقة.

" لو فعلتِ هذا مبكرًا، لما اضطررتُ إلى محاسبة تلك الفتاة."

تلك النظرة الحادة التي تشبه الشفرة اتجهت نحو الممر. ارتجفت الخادمة الشابة التي كانت راكعة في الممر .

خادمة متدنية الرتبة، لا تملك لقبًا ولا ثروة تذكر. كان من المتوقع أن يحدث هذا الأمر منذ أن أحضرت إبريق الشاي .

اليوم كان يومًا كانت فيه محظوظة جدًا .

ابتسمت ماريا بسعادة .

****************************

*

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم

اعلان