ألقت رموش آرني الطويلة المتدفقة بظلالها .
كانوا الخادمات يتحدثن عن شيء ما بجانبها لكن عقل آرني كان مشغولاً تمامًا بالمحادثة التي أجرتها مع إرجين سابقًا .
" ألستِ فضولية على الإطلاق بشأن سبب تمتع الدوق الأكبر كاسيان بحق أعلى في العرش من الأميرة سينثيا ابنة الإمبراطورة بولكيريا الحالية و أيضاً من الابن غير الشرعي الأمير الثاني ماكينزي ؟ "
لم يتم إهمال حق الأميرة سينثيا في العرش لأنها كانت فتاة بل بسبب المنصب الموعود كان كاسيان دائمًا في المرتبة الثانية في خط خلافة العرش، بغض النظر عن عدد الأطفال الذين لدى الإمبراطور جوزيبي .
" علمت بالأمر فقط بعد أن جئت إلى هنا و أجريت تحقيقًا لكن التاريخ الحديث للإمبراطورية الشمالية أكثر فوضوية وأكثر قسوة مما هو معروف على السطح، عندما تولى الإمبراطور جوزيبي العرش كانت هناك كل أنواع الشكوك داخل و خارج البلاد ولكن الجميع الآن هادئون، بغض النظر عما حدث في الماضي الإمبراطور الحالي للإمبراطورية الشمالية هو الإمبراطور جوزيبي "
يقال إن الإمبراطور سون تريستين الذي تم الإشادة به، كان يحب شقيقه الأصغر الوحيد و أعتمد عليه عندما كان على قيد الحياة دون أن يعرف ما الذي كان أخوه يخطط له ضده .
' لا ، هل حقًا لم يعرف ذلك ؟ بالتأكيد سيعرف ذلك في مرحلة ما ولكن بحلول ذلك الوقت ربما كان الأوان قد فات بشكل لا رجعة فيه '
لم يكن الموت المفاجئ للإمبراطور الذي كان بصحة جيدة دون أي مرض بسيط منذ فترة بسيطة لغزاً بالنسبة للنبلاء .
إذا كانت لديهم عيون و آذان سواء كانوا أرستقراطيين أو من عامة الناس فإنهم سيتحدثون عن شكوك مريبة .
توفي الإمبراطور تريستين فجأة بسبب المرض و انتحرت الإمبراطورة إيسولت في ظروف غامضة ولم يُترك سوى الأمير الصغير الذي كان على وشك أن يتوج وليًا للعهد في وضع فوضوي .
بدلاً من الأمير الصغير الذي كان لا يستطيع التحدث بعد، أختار النبلاء الأرشيدوق جوزيبي الأخ الأصغر للإمبراطور و الأقوى في ذلك الوقت .
و كان السبب الذي طرحه في ذلك الوقت هو هذا [ سأصبح الإمبراطور الوصي على العرش حتى يصعد الأمير الصغير إلى العرش و سأمرر له لاحقًا مقعد الإمبراطور ]
و بالطبع أصبحت القضية منسية على الفور من خلال تنظيف جميع فصائل الأمير الذين كانوا يحاولون جعل الأمير الشاب إمبراطورًا .
" في مثل هذه الحالة، ألن يكون من الطبيعي قتل الأمير أيضًا ؟ لماذا أبقى على حياة الأمير الذي كان على يقين أنه سيصبح مشكلة له في المستقبل ؟ "
" كيف يمكن لشخص مثلي أن يعرف نوايا الإمبراطور لكن الموقف العام في ذلك الوقت كان شرسًا لدرجة أنه إذا مات الأمير الصغير أيضاً لكان الناس قد انفجروا و هناك أيضًا رأي مفاده أن عائلة والدة الإمبراطورة إيسولت قد اعتنوا به قبل أن يتم قتله، على أي حال من وجهة نظر الإمبراطور جوزيبي كان قتل أبن أخيه الصغير في ذلك الوقت أمرًا غير منطقي تمامًا "
كان من الجيد القول أنه كان يهدف إلى الفرصة التالية بدلاً من تدميرها لأنه لم يكن مضطراً للقيام بذلك .
وهكذا كانت الطريقة التي أختارها الإمبراطور جوزيبي هي إعطاء كاسيان لقب الدوق الأكبر تيرنوجين و " النمو في قلعة تيرنوجين "
تم منحه لقبًا و تربيته في القلعة لكن لم يُسمح له بالذهاب إلى أي مكان باستثناء قلعة تيرنوجين ولم يُسمح لأحد بالدخول باستثناء عرّابته الماركيزة جيانا، لذلك تم تقييده عمليًا .
نشأ الأمير الذي أصبح دوقًا صغيرًا حتى سن 17 عامًا، وكان محاصرًا في قلعة كبيرة مع عدم وجود من يعتني به تقريبًا .
" يقال أنه الآن لديه ما يكفي من القوة للوقوف ضد الإمبراطور لكن قوة الدوق الأكبر لا تزال شمعة في مهب الريح "
" لذا فإن وضعك يا قائدة في هذا المنصب كان كله حسابات سياسية "
" فلن يتمكن الإمبراطور جوزيبي من التعامل بلا مبالاة مع أميرة بلد عظيم مثل الإمبراطورية الغربية "
في الوقت نفسه أضاف إرجين أن الإمبراطور جوزيبي كان ينوي بمهارة تعيين آنسة شابة تُدعى هايلي دوقة تيرنوجين الكبرى .
يبدو أن إرجين قال ذلك لأنه أراد أن تشعر آرني بخيبة أمل لكن آرني الشخص المعني بذلك لم تندم .
لقد كان زواج مرتب على أي حال، لم يكن لديها أي توقعات لهذا الزواج منذ البداية لتصاب بخيبة أمل مرة أخرى لأنه كان يستفيد منها .
بدلاً من ذلك، شعرت آرني بالارتياح فهي لم تتزوج بناء على طلب الإمبراطور جوزيبي .
' نعم، لم يكن الأمر بهذا السوء '
" تبدو عائلتك منسجمة للغاية "
لا أعرف لماذا في لحظة كهذه فكرت في وجه كاسيان المبتسم بينما كان يقول ذلك .
تم ترديد الكلمات بشكل عرضي ولكن بطريقة ما كان الصوت المنخفض مليئًا بالشعور بالوحدة .
كان كاسيان سعيدًا دائمًا بعناد الدوقة بريلهيت و الذي وجدته آرني مزعجًا .
' هل كان الأمر كذلك ؟ '
هل هذا بسبب عدم شعوره بمشاعر الوالدين ؟
لم تستطع آرني تخيل ذلك …. الشعور بعدم وجود عائلة .
في حياة آرني كانت الأسرة هي مركز الحياة و مصدرها و السبب أيضًا بأن آرني التي لم تكن كبيرة بما يكفي ذهبت إلى ساحة معركة دامية بسيفين في سن 16 .
لم يكن ذلك بسبب الدافع الوطني لحماية الإمبراطورية، ولكن بسبب الرغبة في حماية الأسرة .
بما أن عائلتها كانت مهمة، فكذلك أسر الآخرين .
بكاء الأطفال بعد فقدان والدهم و الناس الذين يبكون على أنقاض الحرب … تجنيد الأطفال لتعويض النقص في القوات، لا تزال تتذكر أهوال الحرب لذلك سمحت آرني لنفسها لاحقًا بأن تصبح حامية للإمبراطورية الغربية كرادع للحرب .
وما زلت لا أشعر بأي ندم على هذه الحياة، لهذا السبب تريد العودة إلى الإمبراطورية الغربية .
شعرت الدوقة بريلهيت بالأسف عليها عندما شاهدتها تعيش حياة التضحية لحماية أشياء كثيرة دون أن يكون لها في الواقع حياة خاصة بها .
مع ذلك، آرني لم تندم على عيش هذا النوع من الحياة لأنه كان لديها مثل هذه الأم لكن كاسيان حُرم من كل هذا منذ البداية .
" لأنك عائلتي الوحيدة "
تلك الابتسامة الغريبة و العيون العميقة مثل الهاوية .
لم تجرؤ آرني على تخمين نوع المشاعر التي كانت لديه في ذلك الوقت .
" آرني ، آرني ! سيدتي ! "
" صاحبة السمو الدوقة الكبرى ؟ "
سمعت صوت يناديها أثناء تفكيرها العميق، حدقت المربية إيڤا في وجه آرني بقلق .
" ما الذي تفكرين به لدرجة أنه يجعلك تبدين و كأنك على وشك البكاء ؟ "
" أنا …. هل أبدوا و كأنني على وشك البكاء ؟ "
" نعم، هل حدث شيء محزن ؟ "
تعمق قلق إيڤا التي كانت تعلم أن آرني تمتلك عقلاً و جسداً لا يتأثران في معظم الأشياء ولا تظهر مثل هذا التعبير بسهولة .
وقفت آرني التي كانت تحدق في عيني إيڤا البندقيتين الشاحبتين، فجأة .
' إنه كاسيان '
كان كاسيان هو الشخص الوحيد الذي لديه مثل هذا الوجود .
كان من الصعب الشعور به من مرة واحدة ولكن بعد الشعور به، سرعان ما لاحظت آرني وجود كاسيان .
أرادت آرني فجأة رؤيته بعد أن شعرت بوجوده .
" …… ؟ "
" سيدتي ؟! "
نظرت إيريكا و إيڤا إلى آرني بتفاجؤ عندما تحركت على الفور ونزلت إلى الطابق السفلي، ولم تكن مهتمة بما إذا كان الناس من حولها قد فوجئوا .
" صاحبة السمو ! "
" صاحبة السمو الدوقة الكبرى ~~! "
بدأ موكب آرني يلاحقها فجأة .
بغض النظر عما إذا كانت الخادمات يطاردنها من الخلف أم لا، أسرعت آرني إلى مدخل الطابق الأول .
كما هو متوقع، عند المدخل كان كاسيان الذي كان قد عاد لتوه من نزهة يخلع معطفه .
توقفت آرني على الدرج بعد أن رأته و حالما خلع كاسيان معطفه، ألتفت إلى آرني .
" …… "
" …… ؟ "
أمال كاسيان رأسه قليلاً، خدها الأحمر و تنفسها الذي كان أكثر خشونة من المعتاد، إلى جانب ذلك، ما معنى هذه العيون الواضحة ؟
نزلت آرني من الدرج ببطء شديد، و عندما وقفت على مسافة ذراع، سأل كاسيان أولاً .
" هل أتيت لرؤيتي ؟ "
ماذا ؟
لم يكن الأمر كذلك، ولكن بافتراض أنه كان شيئًا من هذا القبيل، أومأت آرني برأسها .
أظهر كاسيان تعبيرًا متفاجئًا .
في العادة لم تهتم آرني كثيرًا بما إذا كان كاسيان سيغادر أم لا .
إذا دخل أو وصل و إذا خرج، لهذا كان الأمر أكثر إثارة للدهشة لأن كاسيان كان يعرف ذلك أيضًا .
وقفت آرني أمام كاسيان مباشرة، لقد تذكرت ما قالته الماركيزة جيانا .
على الرغم من أنها لم تقل الحقيقة مثل إرجين إلا أن كلمات الماركيزة جيانا كانت كافية لمعرفة كيف نشأ كاسيان لكن لا يمكنها التظاهر بالمعرفة .
ابتلعت المشاعر التي غمرتها على الفور و أمسكت بيد كاسيان بإحكام .
" إذا …… "
كانت كلمات آرني التي خرجت من العدم بطيئة للغاية .
أستمع إليها كاسيان بصبر دون أن يحثها على الإسراع .
" إذا واجهت أوقاتًا عصيبة فأخبرني من فضلك "
" …… "
" لا تتحمل كل شيء وحدك …. و أخبرني أرجوك "
طلب ضعيف و كلمات غامضة .
ومع ذلك، قرأ كاسيان الإخلاص في عيون آرني .
لقد كانت حازمة و واضحة جدًا لدرجة أنه لم يكن بحاجة إلى التأكد من ذلك .
" أنا …… "
توقفت آرني لفترة وجيزة لالتقاط أنفاسها، ثم تابعت .
" سأحضنك "
تألقت عيون آرني الحمراء بقوة .
لم تستطع أن تعد بحماية هذا الجانب لبقية حياتها لأنه كان لديها بالفعل أشياء كثيرة أقسمت على حمايتها .
لكن ……
" أمي لا تبكي، كيف أمنع والدتي من البكاء ؟ "
" أمك لن تبكي إذا عانقتني اللطيفة آرني "
" حقًا ؟ "
" ابنتي المسكينة "
بكت والدتها ولم تبتهج عندما علمت أن ابنتها الصغيرة التي لم تتعلم الكتابة بعد، لديها موهبة عظيمة في فن المبارزة .
آرني التي كانت تبلغ من العمر ثلاث سنوات في ذلك الوقت لم تستطع فهم والدتها التي بكت بلا نهاية لكن بفضل ذلك تعلمت أنه إذا بكى شخص ما، فيمكنك أن تعانقه .
لذلك ….
" لأنني سوف أعانقك …… "
تمامًا عندما كانت على وشك إخباره ألا يتحمل بمفرده، أمسك كاسيان بذراع آرني و سحبها لعناق شديد .
لقد شعرت آرني بالإختناق لدرجة أنها لم تستطع التنفس و تساءلت عما إذا كانت ستتحطم .
توقفت آرني عن التنفس بسبب الدفء الشديد المفاجئ و رائحة كاسيان .
لقد تحرك جسد كاسيان بمفرده فحتى هو لم يفهم أفعاله لكن إذا لم يفعل هذا ستختفي آرني ……
لقد شعر أنها ستختفي فجأة في مكان ما .
مثل رجل مجنون يحاول التمسك بوهم سيختفي قريبًا، أراد تأكيد وجود آرني للحظة .
وفي تلك اللحظة و لأول مرة تعلم كاسيان إحساسًا غريبًا لم يشعر به من قبل .
الخوف .
" كاسيان …… ؟ "
لقد كانت الشخص الغريب الوحيد في هذا العالم الذي يمكنه أن ينادي اسمه .
أبتسم كاسيان الذي أبتعد قليلاً منها بجفاف و قال .
" حسنًا، سأفعل ذلك بالتأكيد "
عيون زرقاء قاتمة و شديدة البرودة .
في تلك اللحظة، لم تستطع آرني فهم سبب نظرته إليها بهذه الطريقة .
* * * * * * * * * * * * * * * * * * *
فكر كاسيان فيما حدث بالأمس .
بعد العشاء و بعد أن نام جيداً و بعد أن أستيقظ، ما زال لم يستطع فهم أفعال آرني بالأمس .
من المستحيل أن تقول ذلك من العدم، لذلك أمرهم بمعرفة السبب ….
" قالوا أنه أتى شخص من قمة ويست جولد بالأمس "
تشدد تعبير كاسيان عندما سمع تقرير آلين عن رجل اسمه إرجين .
" بعد التحقق من الخادمات، يبدو أنه أجرى لقاءًا خاصًا مع صاحبة السمو الدوقة الكبرى …… "
كان كاسيان غير مرتاح لحقيقة أنه كان لديه لقاء خاص مع آرني و أيضاً يبدو أن هناك شيء ما بين الاثنين .
و هكذا قال لسان كاسيان …. يا له من توقيت رائع، فقد كانت آرني و إرجين يتحدثان في الحديقة الآن .
بدا من مظهر ترتيب الطاولة و الأجواء بينهما أنهما كانا و كأنهما يتناقشان حول المكان الذي سيكون مكانًا جيدًا لإقامة حفل الشاي .
عند نافذة المكتب، لم يستطع كاسيان أن يرفع عينيه عن ظهر آرني .
ربما شعر إرجين بنظراته و رفع رأسه فجأة .
طار الشرر من عيون كاسيان و إرجين اللذين تقابلت نظراتهما للحظة .
ثم فجأة نظر إرجين إلى كاسيان و أبتسم .
— الصورة : هنا
' يبتسم ؟ '
عندما قطب كاسيان حاجبيه قليلاً، أنزل إرجين رأسه و همس لآرني .
— تكسير .
في تلك اللحظة، أنكسر أحد أقلام الحبر في يد كاسيان .
آلين الذي رفع رأسه على عجل عند سماع صوت شيء ما يتم تحطيمه، توسعت عيناه بدهشة .
' كيف بحق خالق الجحيم أستطاع أن يكسر قلم الحبر الصلب هذا ؟ '
فجأة سرت قشعريرة في العمود الفقري .
" آلين هل ما زلت تحقق بما طلبته ؟ "
" ماذا ؟ آه نعم، ما زلت أحقق …. "
" مازلت تحقق ؟ "
لماذا يسأل بصوت مريح و منخفض بشكل مخيف ؟
ابتلع آلين لعابه، لقد كانت هذه المرة الأولى التي أرى فيها كاسيان هكذا لذلك كنت خائفًا .
" لم أتوصل إلى نتائج جيدة حتى الآن لذلك سأبذل قصارى جهدي "
كان ذلك عندما أنهى آلين إجابته و حاول التسلل بعيدًا .
" هاهاهاها، ما هذا …… "
ضحكت آرني على إرجين و حدقت عيون داكنة على الاثنين كما لو كان سيأكلهما .
" آلين هناك أمر "
توقف آلين الذي كان على عتبة باب المكتب و شعر بشعور ينذر بالخطر للغاية .
" سلم كل ما تفعله إلى الدوقة الكبرى في الوقت الحالي وقم بمساعدتها، حالاً "
كان آلين في حيرة من أمره ولم يكن يعرف سبب تلقيه هذه الأوامر المجنونة فجأة .
ما الذي يحدث الآن ؟
****************************